وفعل التعجب، نحو " ما كان أصح علم من تقدما (1) " ولا تزاد في غيره إلا سماعا.
وقد سمعت زيادتها بين الفعل ومرفوعه، كقولهم (2): ولدت فاطمة بنت الخرشب الانمارية الكملة من بني عبس لم يوجد كان أفضل منهم.
و [ قد ] سمع أيضا زيادتها بين الصفة والموصوف كقوله: 69 - فكيف إذا مررت بدار قوم وجيران لنا كانوا كرام
.
__________
(1) مما ورد من زيادتها بين " ما " التعجبية وفعل التعجب قول الشاعر: لله در أنو شروان من رجل ما كان أعرفه بالدون والسفل ونظيره قول الحماسي (انظر شرح التبريزي 3 / 22 بتحقيقنا): أبا خالد ما كان أوهى مصيبة أصابت معدا يوم أصبحت ثاويا وقول امرئ القيس بين حجر الكندي (وهو الشاهد رقم 249 الآتي في هذا الكتاب): أرى أم عمر ودمعها قد تحدرا بكاء على عمرو، وما كان أصبرا إذا قدرت الكلام وما كان أصبرها، وقول عروة ابن أذينة: ما كان أحسن فيك العيش مؤتنفا غضا، وأطيب في آصالك الاصلا (2) قائل هذا الكلام هو قيس بن غالب، في فاطمة بنت الخرشب، من بني أنمار ابن بغيض بن ريث بن غطفان، وأولادها هم: أنس الفوارس، وعمارة الوهاب، وقيس الحفاظ وربيع الكامل، وأبوهم زياد العبسي، وكان كل واحد منهم نادرة أقرانه شجاعة وبسالة ورفعة شأن.
69 - البيت للفرزدق، من قصيدة له يمدح فيها هشام بن عبد الملك - وقيل: يمدح سليمان بن عبد الملك - وقد أنشده سيبويه (ج 1 ص 189) ببعض تغيير.
الاعراب: " كيف " اسم استفهام أشرب معنى التعجب، وهو مبني على الفتح في = (*)
(1/289)

.
__________
= محل نصب حال من فاعل هو ضمير مستتر في فعل محذوف، وتقدير الكلام: كيف أكون، مثلا " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان " مررت " فعل وفاعل، والجملة في محل جر بإضافة " إذا " إليها " بدار " جار ومجرور متعلق بمررت، ودار مضاف و " قوم " مضاف إليه " وجيران " معطوف على دار قوم " لنا " جار ومجرور متعلق
بمحذوف صفة لجيران " كانوا " زائدة وستعرف ما فيه " كرام " صفة لجيران مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره.
الشاهد فيه: قوله " وجيران لنا كانوا كرام " حيث زيدت " كانوا " بين الصفة وهي قوله " كرام " والموصوف وهو قوله " جيران ".
هذا مقتضى كلام الشارح العلامة، وهو ما ذهب إليه إمام النحاة سيبويه، لكن قال ابن هشام في توضيحه: إن شرط زيادة " كان " أن تكون وحدها، فلا تزاد مع اسمها، وأنكر زيادتها في هذا البيت، وهو تابع في هذا الكلام لابي العباس محمد بن يزيد المبرد، فإنه منع زيادة كان في هذا البيت، على زعمه أنها إنما تزاد مفردة لا اسم لها ولا خبر، وخرج هذا البيت على أن قوله " لنا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كان مقدم عليها، والواو المتصلة بها اسمها، وغاية ما في الباب أن الشاعر فصل بين الصفة وموصوفها بجملة كاملة من كان واسمها وخبرها، وقدم خبر كان على اسمها، وتقدير الكلام - على هذا - وجيران كرام كانوا لنا.
والذي ذهب إليه سيبويه أولى بالرعاية، لان اتصالها باسمها لا يمنع من زيادتها، ألا ترى أنهم يلغون " ظننت " متأخرة ومتوسطة، ولا يمنعهم إسنادها إلى اسمها من إلغائها، ثم المصير إلى تقديم خبر " كان " عليها والفصل بين الصفة وموصوفها عدول عما هو أصل إلى شئ غيره.
قال سيبويه: " وقال الخليل: إن من أفضلهم كان زيدا، على إلغاء كان، وشبهه بقوله الشاعر: * وجيران لنا كانوا كرام * " اه وقال الاعلم: " الشاهد فيه إلغاء كان وزيادتها توكيدا وتبيينا لمعنى المضي، والتقدير وجيران لنا كرام كانوا كذلك " اه.
= (*)
(1/290)

وشذ زيادتها بين حرف الجر ومجروره، كقوله: 70 - سراة بني أبي بكر تسامى على كان المسومة العراب.
__________
= هذا، ومن شواهد زيادة " كان " بين الصفة وموصوفها - من غير أن تكون متصلة باسمها - قول جابر الكلابي (وانظر معجم البلدان مادة كتيفة): وماؤكما العذب الذي لو شربته شفاء لنفس كان طال اعتلالها فإن جملة " طال اعتلالها " في محل جر صفة لنفس، وقد زاد بينهما " كان ".
70 - أنشد الفراء هذا البيت، ولم ينسبه إلى قائل، ولم يعرف العلماء له قائلا، ويروى المصراع الاول منه: * جياد بني أبي بكر تسامى * اللغة: " سراة " جمع سرى، وهو جمع عزيز، فإنه يندر جمع فعيل على فعلة، والجياد: جمع جواد، وهو الفرس النفيس " تسامى " أصله تتسامى - بتاءين - فحذف إحداهما تخفيفا " المسومة " الخيل التي جعلت لها علامة ثم تركت في المرعى " العراب " هي خلاف البراذين والبخاتي، ويروى: * على كان المطهمة الصلاب * والمطهمة: البارعة التامة في كل شئ، والصلاب: جمع صلب، وهو القوي الشديد.
المعنى: من رواه " سراة بني أبي بكر - إلخ " فمعناه: إن سادات بني أبي بكر يركبون الخيول العربية التي جعلت لها علامة تتميز بها عما عداها من الخيول.
ومن رواه " جياد بني أبي بكر - إلخ " فمعناه: إن خيول بني أبي بكر لتسمو قيمتها ويرتفع شأنها على جميع ما عداها من الخيول العربية، يريد أن جيادهم أفضل الجياد وأعلاها.
الاعراب: " جياد " مبتدأ، وجياد مضاف، و " بني " مضاف إليه، وبني
مضاف و " أبي " مضاف إليه، وأبي مضاف، و " بكر " مضاف إليه " تسامى " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى جياد، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " على " حرف جر " كان " زائدة " المسومة " مجرور بعلى " العراب " نعت للمسومة، والجار والمجرور متعلق بقوله تسامى.
= (*)
(1/291)

وأكثر ما تزاد بلفظ الماضي، وقد شذت زيادتها بلفظ المضارع في قول أم عقيل بن أبي طالب: 71 - أنت تكون ماجد نبيل إذا تهب شمأل بليل * * *.
__________
= الشاهد فيه: قوله " على كان المسومة " حيث زاد " كان " بين الجار والمجرور، ودليل زيادتها أن حذفها لا يخل بالمعنى.
71 - البيت - كما قال الشارح - لام عقيل بن أبي طالب، وهي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهي زوج أبي طالب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وأبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تقوله وهي ترقص ابنها عقيلا، ويروى بيت الشاهد مع ما قبله هكذا: إن عقيلا كاسمه عقيل وبيبي الملفف المحمول أنت تكون السيد النبيل إذا تهب شمأل بليل * يعطي رجال الحي أو ينيل * اللغة: " ماجد " كريم " نبيل " فاضل شريف " تهب " مضارع هبت الريح هبوبا وهبيبا، إذا هاجت " شمأل " هي ريح تهب من ناحية القطب " بليل " رطبة ندية.
الاعراب: " أنت " ضمير منفصل مبتدأ " تكون " زائدة " ماجد " خبر
المبتدأ " نبيل " صفة لماجد " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان " تهب " فعل مضارع " شمأل " فاعل تهب " بليل " نعت لشمأل، والجملة من الفعل والفاعل في محل جر بإضافة " إذا " إليها، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام، والتقدير: إذا تهب شمأل بليل فأنت ماجد نبيل حينئذ.
الشاهد فيه: قولها " أنت تكون ماجد " حيث زادت المضارع من " كان " بين المبتدأ وخبره، والثابت زيادته إنما هو الماضي دون المضارع، لان الماضي لما كان مبنيا أشبه الحرف، وقد علمنا أن الحروف تقع زائدة، كالباء، وقد زيدت الباء في المبتدأ في نحو " بحسبك درهم " وزيدت في خبر ليس في نحو قوله تعالى (أليس الله = (*)
(1/292)

ويحذفونها ويبقون الخبر وبعد إن ولو كثيرا ذا اشتهر (1) تحذف " كان " مع اسمها ويبقى خبرها كثيرا بعد إن، كقوله:.
__________
= بكاف عبده) ونحو ذلك، فأما المضارع فهو معرب، فلم يشبه الحرف، بل أشبه الاسم، فتحصن بذلك عن أن يزاد، كما أن الاسماء لا تزاد إلا شذوذا، وهذا إيضاح كلام الشارح وتخريج كلامه وتعليله.
والقول بزيادة " تكون " شذوذا في هذا البيت قول ابن الناظم وابن هشام وتبعهما من جاء بعدهما من شراح الالفية، وهما تابعان في ذلك لابن السيد وأبي البقاء.
ومما استدل به على زيادة " تكون " بلفظ المضارع قول حسان بن ثابت: كأنه سبيئة من بيت رأس يكون مزاجها عسل وماء روياه برفع " مزاجها عسل وماء " على أنها جملة من مبتدأ وخبر في محل رفع صفة لسبيئة وزعما أن " يكون " زائدة.
والرد على ذلك أن الرواية بنصب " مزاجها " على أنه خبر يكون مقدما، ورفع
" عسل وماء " على أنه اسم يكون مؤخر، ولئن سلمنا رواية رفعهما فليس يلزم عليها زيادة يكون، بل هي عاملة، واسمها ضمير شأن محذوف، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب خبرها.
وكذلك بيت الشاهد، ليست " تكون " فيه زائدة، بل هي عاملة، واسمها ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وخبرها محذوف، والجملة لا محل لها معترضة بين المبتدأ وخبره، والتقدير: أنت ماجد نبيل تكونه.
(1) " يحذفونها " فعل مضارع، وواو الجماعة فاعله، وها العائد على كان مفعول به " ويبقون " الواو حرف عطف، يبقون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، وواو الجماعة فاعله " الخبر " مفعول به ليبقون " وبعد " ظرف متعلق بقوله اشتهر الآتي، وبعد مضاف و " إن " قصد لفظه مضاف إليه " ولو " معطوف على إن " كثيرا " حال من الضمير المستتر في اشتهر " ذا " اسم إشارة مبتدأ " اشتهر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى " ذا " الواقع مبتدأ، والجملة من اشتهر وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
(*)
(1/293)

72 - قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا فما اعتذارك من قول إذا قيلا ؟.
__________
72 - البيت للنعمان بن المنذر ملك العرب في الحيرة، من أبيات يقولها في الربيع ابن زياد العبسي، وهو من شواهد سيبويه (1 / 131) ونسب في الكتاب لشاعر يقوله للنعمان، ولم يتعرض الاعلم في شرح شواهده إلى نسبته بشئ، والمشهور ما ذكرنا أولا من أن قائله هو النعمان بن المنذر نفسه في قصة مشهورة تذكر في أخبار لبيد.
الاعراب: " قد " حرف تحقيق " قيل " فعل ماض مبني للمجهول " ما " اسم
موصول نائب فاعل " قيل " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ما " والجملة لا محل لها من الاعراب صلة الموصول " إن " شرطية " صدقا " خبر لكان المحذوفة مع اسمها، والتقدير " إن كان المقول صدقا " " وإن كذبا " مثل قوله " إن صدقا " وكان المحذوفة في الموضعين فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف في الموضعين لدلالة سابق الكلام عليه " فما " اسم الاستفهام مبتدأ " اعتذارك " اعتذار: خبر المبتدأ، واعتذار مضاف والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه " من قول " جار ومجرور متعلق باعتذار " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " قيلا " فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قول، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها، وجواب " إذا " محذوف يدل عليه سابق الكلام، وتقديره: إذا قيل قول فما اعتذارك منه.
الشاهد فيه: قوله " إن صدقا، وإن كذبا " حيث حذف " كان " مع اسمها وأبقى خبرها بعد " إن " الشرطية، وذلك كثير شائع مستساغ، ومثله قول ليلى الاخيلية (انظره في أمالي القالي 1 / 248 ثم انظر اعتراضا عليه في التنبيه 88): لا تقربن الدهر آل مطرف إن ظالما - أبدا - وإن مظلوما وقول النابغة الذبياني: حدبت علي بطون ضنة كلها إن ظالما فيهم وإن مظلوما وقول ابن همام السلولي: وأحضرت عذري عليه الشهود إن عاذرا لي وإن تاركا = (*)
(1/294)

التقدير: " إن كان المقول صدقا، وإن كان المقول كذبا " وبعد لو (1)، كقولك: " ائتني بداب ولو حمارا " أي: " ولو كان الماتي به حمارا ".
وقد شذ حذفها بعد لدن، كقوله: 73 - * من لد شولا فإلى إتلائها * [ التقدير: من لد أن كانت شولا ].
* * *.
__________
= وكذا يكثر حذفها مع اسمها بعد " لو " كما قرره الشارح العلامة، وعليه قول الشاعر: لا يأمن الدهر ذو بغي ولو ملكا جنوده ضاق عنها السهل والجبل (1) ومن ذلك ما ورد في الحديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " التمس ولو خاتما من حديد " التقدير: ولو كان ملتمسك خاتما من حديد، والبيت الذي أنشدناه في آخر شرح الشاهد رقم 72.
73 - هذا كلام تقوله العرب، ويجري بينها مجرى المثل، وهو يوافق بيتا من مشطور الرجز، وهو من شواهد سيبويه (1 / 134) ولم يتعرض أحد من شراحه إلى نسبته لقائله بشئ.
اللغة: " شولا " قيل: هو مصدر " شالت الناقة بذنبها " أي رفعته للضراب، وقيل: هو اسم جمع لشائلة - على غير قياس - والشائلة: الناقة التي خف لبنها وارتفع ضرعها " إتلائها " مصدر " أتلت الناقة " إذا تبعها ولدها، الاعراب: " من لد " جار ومجرور متعلق بمحذوف، والتقدير: ربيتها من لد - مثلا " شولا " خبر لكان المحذوفة مع اسمها، والتقدير " من لد أن كانت الناقة شولا " " فإلى " الفاء حرف عطف، وإلى: حرف جر " إتلائها " إتلاء: مجرور بإلى، وإتلاء مضاف وها مضاف إليه، والجار والمجرور متعلق بمحذوف معطوف بالفاء على متعلق الجار والمجرور الاول، وتقدير الكلام: رببت هذه الناقة من لد كانت شولا فاستمر ذلك إلى إتلائها.
= (*)
(1/295)

وبعد " أن " تعويض " ما " عنها ارتكب كمثل " أما أنت برا فاقترب " (1) ذكر في هذا البيت أن " كان " تحذف بعد " أن " المصدرية ويعوض عنها " ما " ويبقى اسمها وخبرها، نحو " أما أنت برا فاقترب " والاصل " أن كنت برا فاقترب " فحذفت " كان " فانفصل الضمير المتصل بها وهو التاء، فصار " أن أنت برا " ثم أتى ب " ما " عوضا عن " كان "، فصار.
__________
= الشاهد فيه: قوله " من لد شولا " حيث حذف " كان " واسمها وأبقى خبرها وهو " شولا " بعد لد، وهذا شاذ، لانه إنما يكثر هذا الحذف بعد " إن، ولو " كما سبق، هذا بيان كلام الشارح العلامة وأكثر النحويين، وهو المستفاد من ظاهر كلام سيبويه.
وفي الكلام توجيه آخر، وهو أن يكون قولهم " شولا " مفعولا مطلقا لفعل محذوف، والتقدير " من لد شالت الناقة شولا " وبعض النحويين يذكر فيه إعرابا ثالثا وهو أن يكون نصب " شولا " على التمييز أو التشبيه بالمفعول به، كما ينتصب لفظ " غدوة " بعد " لدن " وعلى هذين التوجيهين لا يكون في الكلام شاهد لما نحن فيه، وراجع هذه المسألة وشرح هذا الشاهد في شرحنا على شرح أبي الحسن الاشموني في (ج 1 ص 386 الشاهد رقم 206) تظفر ببحث ضاف واف.
(1) " وبعد " ظرف متعلق بقوله " ارتكب " الآتي، وبعد مضاف، و " أن " قصد لفظه: مضاف إليه " تعويض " مبتدأ، وتعويض مضاف، و " ما " قصد لفظه: مضاف إليه " عنها " جار ومجرور متعلق بتعويض " ارتكب " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تعويض، والجملة من ارتكب ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ، " كمثل " الكاف زائدة، مثل: خبر
لمبتدأ محذوف " أما " هي أن المصدرية المدغمة في ما الزائدة المعوض بها عن كان المحذوفة " أنت " اسم كان المحذوفة " برا " خبر كان المحذوفة " فاقترب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
(*)
(1/296)

" أن ما أنت برا " [ ثم أدغمت النون في الميم، فصار " أما أنت برا " ]، ومثله قول الشاعر: 74 - أبا خراشة أما أنت ذا نفر فإن قومي لم تأكلهم الضبع.
__________
74 - البيت للعباس بن مرداس يخاطب خفاف بن ندبة أبا خراشة، وهو من شواهد سيبويه (ج 1 ص 148) وخفاف - بزنة غراب - شاعر مشهور، وقارس مذكور، من فرسان قيس، وهو ابن عم صخر ومعاوية وأختهما الخنساء الشاعرة المشهورة، وندبة - بضم النون أو فتحها - أمه، واسم أبيه عمير.
اللغة: " ذا نفر " يريد ذا قوم تعتز بهم وجماعة تمتلئ بهم فخرا " الضبع " أصله الحيوان المعروف، ثم استعملوه في السنة الشديدة المجدبة، قال حمزة الاصفهاني: إن الضبع إذا وقعت في غنم عاثت، ولم تكتف من الفساد بما يكتفي به الذئب، ومن إفسادها وإسرافها فيه استعارت العرب اسمها للسنة المجدبة، فقالوا: أكلتنا الضبع.
المعنى: يا أبا خراشة، إن كنت كثير القوم، وكنت تعتز بجماعتك فإن قومي موفورون كثيرو العدد لم تأكلهم السنة الشديدة المجدبة، ولم يضعفهم الحرب ولم تنل منهم الازمات الاعراب: " أبا " منادى حذفت منه ياء النداء، وأبا مضاف، و " خراشة " مضاف إليه " أما " هي عبارة عن أن المصدرية المدغمة في " ما " الزائدة النائبة عن " كان " المحذوفة " أنت " اسم لكان المحذوفة، " ذا " خبر كان المحذوفة، وذا مضاف و " نفر " مضاف إليه " فإن " الفاء تعليلية، إن حرف توكيد ونصب " قومي " قوم اسم إن، وقوم مضاف والياء ضمير المتكلم مضاف إليه " لم " حرف نفي وجزم وقلب
" تأكلهم " تأكل: فعل مضارع مجزوم بلم والضمير مفعول به لتأكل " الضبع " فاعل تأكل، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر " إن ".
الشاهد فيه: قوله " أما أنت ذا نفر " حيث حذف " كان " التي ترفع الاسم وتنصب الخبر، وعوض عنها " ما " الزائدة وأدغمها في نون أن المصدرية وأبقى اسم " كان " وهو الضمير البارز المنفصل، وخبرها وهو قوله " ذا نفر ".
وأصل الكلام عند البصريين: فخرت على لان كنت ذا نفر، فحذفت لام التعليل ومتعلقها، فصار الكلام: أن كنت ذا نفر، ثم حذفت كان لكثرة الاستعمال قصدا إلى التخفيف، فانفصل الضمير الذي كان متصلا بكان لانه لم يبق في الكلام عامل يتصل به هذا الضمير = (*)
(1/297)

فأن: مصدرية، وما: زائدة عوضا عن " كان "، وأنت: اسم كان المحذوفة، وذا نفر: خبرها، ولا يجوز الجمع بين كان وما، لكون " ما " عوضا عنها، ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض، وأجاز ذلك المبرد، فيقول " أما كنت منطلقا انطلقت " (1).
ولم يسمع من لسان العرب حذف " كان " وتعويض " ما " عنها وإبقاء اسمها وخبرها إلا إذا كان اسمها ضمير مخاطب كما مثل به المصنف، ولم يسمع مع ضمير المتكلم، نحو " أما أنا منطلقا انطلقت " والاصل " أن كنت منطلقا " ولا مع الظاهر، نحو " أما زيد ذاهبا انطلقت " والقياس جوازهما كما جاز مع المخاطب، والاصل " أن كان زيد ذاهبا انطلقت " وقد مثل سيبويه رحمه الله في كتابه ب " أما زيد ذاهبا ".
* * * ومن مضارع لكان منجزم تحذف نون، وهو حذف ما التزم (2).
__________
= ثم عوض من كان بما الزائدة، فالتقى حرفان متقاربان - وهما نون أن المصدرية وميم
ما الزائدة - فأدغمهما، فصار الكلام: أما أنت ذا نفر.
هذا، وقد روى ابن دريد وأبو حنيفة الدينوري في مكان هذه العبارة " إما كنت ذا نفر " وعلى روايتهما لا يكون في البيت شاهد لما نحن فيه الآن.
ومن شواهد المسألة قول الشاعر: إما أقمت وأما أنت مرتحلا فالله يكلا ما تأتي وما تذر (1) ادعاء أنه لا يجوز الجمع بين العوض والمعوض منه لا يتم على الاطلاق، بل قد جمعوا بينهما في بعض الاحايين، فهذا الحكم أغلبي، ولهذا أجاز المبرد أن يقال " إما كنت منطلقا انطلقت ".
(2) " ومن مضارع " جار ومجرور متعلق بقوله " تحذف " الآتي " لكان " = (*)
(1/298)

إذا جزم الفعل المضارع من " كان " قيل: لم يكن، والاصل يكون، فحذف الجازم الضمة التي على النون، فالتقى ساكنان: الواو، والنون، فحذف الواو لالتقاء الساكنين، فصار اللفظ " لم يكن " والقياس يقتضي أن لا يحذف منه بعد ذلك شئ آخر، لكنهم حذفوا النون بعد ذلك تخفيفا لكثرة الاستعمال (1)، فقالوا: " لم يك " وهو حذف جائز، لا لازم، ومذهب سيبويه ومن تابعه أن هذه النون لا تحذف عند ملاقاة ساكن، فلا تقول: " لم يك الرجل قائما " وأجاز ذلك يونس، وقد قرئ شاذا (لم يك الذين.
__________
= جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لمضارع " منجزم " صفة ثانية لمضارع " تحذف " فعل مضارع مبني للمجهول " نون " نائب فاعل تحذف " وهو " مبتدأ " حذف " خبر المبتدأ " ما " نافية " التزم " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حذف، والجملة من التزم ونائب الفاعل في محل رفع صفة لحذف، وتقدير البيت: وتحذف نون من مضارع منجزم آت من مصدر كان
وهو حذف لم تلتزمه العرب، يريد أنه جائز لا واجب.
(1) قد جاء هذا الحذف كثيرا جدا في كلام العرب نثره ونظمه، فمن أمثالهم " إن لم يك لحم فنفش " والنفش: الصوف، ويروى " إن لم يكن " وهذه الرواية تدل على أن الحذف جائز لا واجب، ومن شواهد ذلك قول علقمة الفحل: ذهبت من الهجران في كل مذهب ولم يك حقا كل هذا التجنب وقول عروة بن الورد العبسي: ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا يغرر ويطرح نفسه كل مطرح وقول مهلهل بن ربيعة يرثي أخاه كليب بن ربيعة: فإن يك بالذنائب طال ليلي فقد أبكي من الليل القصير وقول عميرة بن طارق اليربوعي: وإن أك في نجد - سقى الله أهله بمنانة منه ! - فقلبي على قرب وقول الحطيئة العبسي: ألم أك جاركم ويكون بيني وبينكم المودة والاخاء
(1/299)

كفروا) وأما إذا لاقت متحركا فلا يخلو: إما أن يكون ذلك المتحرك ضميرا متصلا، أولا، فإن كان ضميرا متصلا لم تحذف النون اتفاقا، كقوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في ابن صياد: " إن يكنه فلن تسلط عليه، وإلا يكنه فلا خير لك في قتله " (1)، فلا يجوز حذف النون، فلا تقول: " إن يكه، وإلا يكه "، وإن كان غير [ ضمير ] متصل جاز الحذف والاثبات، نحو " لم يكن زيد قائما، ولم يك زيد قائما " وظاهر كلام المصنف أنه لا فرق في ذلك بين " كان " الناقصة والتامة، وقد قرئ: (وإن تك حسنة يضاعفها) برفع حسنة وحذف النون، وهذه هي التامة.
* * *..
__________
(1) روى هذا الحديث بهذه الالفاظ الامام مسلم بن الحجاج في باب ذكر ابن صياد من كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيحه، ورواه الامام البخاري في باب كيف يعرض الاسلام على الصبي من كتاب الجهاد من صحيحه، ورواه الامام أحمد بن حنبل في مسنده (رقم 636) بلفظ " إن يكن هو، وإن لا يكن هو ".
(*)
(1/300)

فصل في ما ولا ولات وإن المشبهات بليس إعمال " ليس " أعملت " ما " دون " إن " مع بقا النفي، وترتيب زكن (1) وسبق حرف جر أو ظرف ك " ما بي أنت معنيا " أجاز العلما (2) تقدم في أول باب " كان " وأخواتها أن نواسخ الابتداء تنقسم إلى أفعال.
__________
(1) " إعمال " مفعول مطلق منصوب بقوله " أعملت " الآتي، وإعمال مضاف و " ليس " قصد لفظه: مضاف إليه " أعملت " أعمل: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء تاء التأنيث " ما " قصد لفظه: نائب فاعل أعملت " دون " ظرف متعلق بمحذوف حال من " ما " ودون مضاف، وقوله " إن " قصد لفظه: مضاف إليه " مع " ظرف متعلق بمحذوف حال من " ما " أيضا، ومع مضاف، و " بقا " مقصور من ممدود للضرورة: مضاف إليه، وبقا مضاف، و " النفي " مضاف إليه " وترتيب " معطوف على " بقا " السابق " زكن " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ترتيب، والجملة من زكن ونائب فاعله في محل جر صفة لترتيب، وحاصل البيت: أعملت ما النافية إعمال ليس، حال كونها غير مقترنة بإن الزائدة، وحال كون نفيها باقيا، وكون اسمها مقدما على خبرها.
(2) " وسبق " مفعول به مقدم على عامله وهو قوله " أجاز " الآتي، وسبق مضاف، و " حرف " مضاف إليه، وحرف مضاف، و " جر " مضاف إليه " أو ظرف "
معطوف على حرف جر " كما " الكاف جارة لقول محذوف، ما: نافية حجازية " بي " جار ومجرور متعلق بقوله معنيا الآتي " أنت " اسم ما " معنيا " خبر ما منصوب بالفتحة الظاهرة " أجاز " فعل ماض " العلما " مقصور من ممدود ضرورة: فاعل أجاز.
وحاصل البيت: وأجاز النحاة العالمون بما يتكلم العرب به تقدم معمول الخبر على اسم ما، بشرط أن يكون ذلك المعمول جارا ومجرورا أو ظرفا، لانه يتوسع فيهما ما لا يتوسع في غيرهما، وذلك نحو " ما بي أنت معنيا " أصله ما أنت معنيا بي، تقدم الجار والمجرور على الاسم مع بقاء الخبر مؤخرا عن الاسم، ومعنى: هو الوصف من " عنى فلان بفلان " - بالبناء للمجهول - إذا اهتم بأمره.
(*)
(1/301)

وحروف، وسبق الكلام على " كان " وأخواتها، وهي من الافعال الناسخة، وسيأتي الكلام على الباقي، وذكر المصنف في هذا الفصل من الحروف [ الناسخة ] قسما يعمل عمل " كان " وهو: ما، ولا، ولات، وإن.
أما " ما " فلغة بني تميم أنها لا تعمل شيئا، فتقول: " ما زيد قائم " فزيد: مرفوع بالابتداء، وقائم: خبره، ولا عمل لما في شئ منهما، وذلك لان " ما " حرف لا يختص، لدخوله على الاسم نحو: " ما زيد قائم " وعلى الفعل نحو: " ما يقوم زيد " وما لا يختص فحقه ألا يعمل، ولغة أهل الحجاز إعمالها كعمل " ليس " لشبهها بها في أنها لنفي الحال عند الاطلاق، فيرفعون بها الاسم، وينصبون بها الخبر، نحو: " ما زيد قائما " قال الله تعالى (ما هذا بشرا) وقال تعالى: (ما هن أمهاتهم) وقال الشاعر: 75 - أبناؤها متكنفون أباهم حنقو الصدور، وما هم أولادها.
__________
75 - البيت من الشواهد التي لا يعرف قائلها، وقد أنشده أبو علي ولم ينسبه، وقبله قوله:
وأنا النذير بحرة مسودة تصل الجيوش إليكم أقوادها اللغة: " النذير " المعلم الذي يخوف القوم بما يدهمهم من عدو ونحوه " بحرة " أصله الارض ذات الحجارة السود، وأراد منه هنا الكتيبة السوداء لكثرة ما تحمل من الحديد " أقوادها " جمع قود، وهي الجماعة من الخيل " أبناؤها " أي أبناء هذه الكتيبة التي ينذرهم بها، وأراد رجالها، وأباهم: القائد " متكنفون " أي: قد احتاطوا به، والتفوا حوله، ويروى " متكنفو آبائهم " بالاضافة.
الاعراب: " أبناؤها " أبناء: مبتدأ، وأبناء مضاف وضمير الغائبة العائد إلى الحرة مضاف إليه " متكنفون " خبر المبتدأ " أباهم " أبا: مفعول به لقوله " متكنفون " لانه جمع اسم فاعل، وأبا مضاف وضمير الغائبين مضاف إليه " حنقو " خبر ثان، وحنقو مضاف، و " الصدور " مضاف إليه " وما " نافية حجازية " هم " اسم ما مبني = (*)
(1/302)

لكن لا تعمل عندهم إلا بشروط ستة، ذكر المصنف منها أربعة: الاول: ألا يزاد بعدها " إن " فإن زيدت بطل عملها، نحو: " ما إن زيد قائم " برفع قائم، ولا يجوز نصبه، وأجاز ذلك بعضهم (1).
الثاني: ألا ينتقض النفي بإلا، نحو: " ما زيد إلا قائم "، فلا يجوز نصب " قائم " و [ كقوله تعالى: (ما أنتم إلا بشر مثلنا) وقوله: (وما أنا إلا نذير) ] خلافا لمن أجازه (2)..
__________
= على الضم في محل رفع " أولادها " أولاد: خبر " ما " منصوب بالفتحة الظاهرة، وأولاد مضاف وها ضمير الحرة مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " وما هم أولادها " حيث أعمل " ما " النافية عمل " ليس " فرفع بها الاسم محلا، ونصب خبرها لفظا، وذلك لغة أهل الحجاز.
(1) أجاز يعقوب بن السكيت، إعمال " ما " عمل ليس مع زيادة " إن " بعدها
واستدل على ذلك بقول الشاعر: بني غدانة ما إن أنتم ذهبا ولا صريفا، ولكن أنتم الخزف وزعم أن الرواية بالنصب، وأن " ما " نافية، و " أنتم " اسمها، و " ذهبا " خبرها، وجمهور العلماء يروونه " ما إن أنتم ذهب " بالرفع على إهمال " ما "، ومع تسليم صحة الرواية بالنصب فإنا لا نسلم أن " إن " زائدة، ولكنها نافية مؤكدة لنفي ما.
(2) ذهب يونس بن حبيب شيخ سيبويه - وتبعه الشلوبين - إلى أنه يجوز إعمال " ما " عمل ليس مع انتقاض نفي خبرها بإلا، وقد استدل على ذلك بقول الشاعر: وما الدهر إلا منجنونا بأهله وما صاحب الحاجات إلا معذبا فزعم أن " ما " نافية، و " الدهر " اسمها، و " منجنونا " خبرها، وأن " ما " في الشطر الثاني نافية كذلك، و " صاحب الحاجات " اسمها، و " معذبا " خبرها، وبقول الشاعر: وما حق الذي يعثو نهارا ويسرق ليله إلا نكالا = (*)
(1/303)

الثالث: ألا يتقدم خبرها على اسمها وهو غير ظرف ولا جار ومجرور، فإن تقدم وجب رفعه، نحو: " ما قائم زيد "، فلا تقول: " ما قائما زيد " وفي ذلك خلاف (1)..
__________
= فما: نافية، وحق: اسمها، ونكالا: خبرها، وقد جاء به منصوبا مع كونه مسبوقا بإلا.
وجمهور البصريين لا يقبلون دلالة هذه الشواهد، ويؤولونها، فمما أولوا به البيت الاول أن " منجنونا " مفعول به لفعل محذوف، والتقدير: وما الدهر إلا يشبه منجنونا، وجملة الفعل وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، وكذلك قوله " معذبا " في
الشطر الثاني: أي وما صاحب الحاجات إلا يشبه معذبا، وبعضهم يقول: منجنونا مفعول مطلق لفعل محذوف على تقدير مضاف، ومعذبا ليس اسم مفعول، بل هو مصدر ميمي بمعنى التعذيب، فهو أيضا مفعول مطلق لفعل محذوف، ونكالا في البيت الثاني اسم مصدر، فهو كذلك مفعول مطلق لفعل محذوف، والتقدير: وما الدهر إلا يدور دوران منجنون، وما صاحب الحاجات إلا يعذب معذبا أي تعذيبا، وما حق الذي يفسد إلا ينكل به نكالا أي تنكيلا، وهذه الجمل الفعلية كلها في محل رفع أخبار للمبتدآت الواقعة بعد ما النافية في المواضع الثلاثة.
(1) ذهب بعض النحاة إلى أنه يجوز إعمال ما إعمال ليس مع تقدم خبرها على اسمها، واستدل على ذلك بقول الفرزدق: فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم إذ هم قريش، وإذ ما مثلهم بشر قالوا: ما نافية عاملة عمل ليس، ومثل: خبرها مقدم منصوب، والضمير مضاف إليه، وبشر: اسمها تأخر عن خبرها، وزعموا أن الرواية بنصب مثل.
والجمهور يأبون ذلك، ولا يقرون هذا الاستشهاد، ولهم في الرد على هذا البيت ثلاثة أوجه: الاول: إنكار أن الرواية بنصب مثل، بل الرواية عندهم برفعه على أنه خبر مقدم، وبشر: مبتدأ مؤخر.
والثاني: أنه على فرض تسليم نصب " مثل " فإن الشاعر قد أخطأ في هذا، = (*)
(1/304)

فإن كان ظرفا أو جارا ومجرورا فقدمته فقلت: " ما في الدار زيد "، و " عندك عمرو " فاختلف الناس في " ما " حينئذ: هل هي عاملة أم لا ؟ فمن جعلها عاملة قال: إن الظرف والجار والمجرور في موضع نصب بها، ومن لم يجعلها عاملة قال: إنهما في موضع رفع على أنهما خبران للمبتدأ الذي بعدهما،
وهذا الثاني هو ظاهر كلام المصنف، فإنه شرط في إعمالها أن يكون المبتدأ والخبر بعد " ما " على الترتيب الذي زكن، وهذا هو المراد بقوله: " وترتيب زكن " أي: علم، ويعني به أن يكون المبتدأ مقدما والخبر مؤخرا، ومقتضاه أنه متى تقدم الخبر لا تعمل " ما " شيئا، سواء كان الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا، أو غير ذلك، وقد صرح بهذا في غير هذا الكتاب.
الشرط الرابع: ألا يتقدم معمول الخبر على الاسم وهو غير ظرف ولا جار ومجرور، فإن تقدم بطل عملها، نحو: " ما طعامك زيد آكل " فلا يجوز نصب " آكل " ومن أجاز بقاء العمل مع تقدم الخبر يجيز بقاء العمل مع تقدم المعمول بطريق الاولى، لتأخر الخبر، وقد يقال: لا يلزم ذلك، لما في.
__________
= والسر في ذلك الخطأ أنه تميمي، وأراد أن يتكلم بلغة أهل الحجاز، فلم يعرف أنهم لا يعملون " ما " إذا تقدم الخبر على الاسم، ولعله وجد خبر ليس قد جاء متقدما على اسمها، فتوهم أن ما - لكونها بمعنى لبس - تعطي حكمها، ولم يلتفت إلى أن " ما " فرع من ليس في العمل، وأن الفرع ليس في قوة الاصل.
والثالث: سلمنا أن الرواية كما يذكرون، وأن الشاعر لم يخطئ.
ولكنا لا نسلم أن " مثل " منصوب، بل هو مبني على الفتح في محل رفع خبر مقدم، وبشر: مبتدأ مؤخر، وإنما بنيت " مثل " لانها اكتسبت البناء من المضاف إليه، وجاز ذلك البناء ولم يجب، ولهذا شواهد كثيرة منها قوله تعالى: (إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) فمثل في هذه الآية الكريمة صفة لحق مع أن حقا مرفوع ومثل مفتوح، فوجب أن يكون مبنيا على الفتح في محل رفع.
(20 - شرح ابن عقيل 1) (*)
(1/305)

الاعمال مع تقدم المعمول من الفصل بين الحرف ومعموله، وهذا غير موجود مع تقدم الخبر.
فإن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا لم يبطل عملها، نحو: " ما عندك زيد مقيما، وما بي أنت معنيا "، لان الظروف والمجرورات يتوسع فيها ما لا يتوسع في غيرها.
وهذا الشرط مفهوم من كلام المصنف، لتخصيصه جواز تقديم معمول الخبر بما إذا كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا.
الشرط الخامس: ألا تتكرر " ما "، فإن تكررت بطل عملها، نحو: " ما ما زيد قائم " [ فالاولى نافية، والثانية نفت النفي، فبقي إثباتا ] فلا يجوز نصب " قائم " وأجازه بعضهم (1).
الشرط السادس: ألا يبدل من خبرها موجب، فإن أبدل بطل عملها، نحو: " ما زيد بشئ إلا شئ لا يعبأ به " فبشئ: في موضع رفع خبر عن المبتدأ الذي.
__________
(1) إذا رأيت " ما " متكررة في كلام فالثانية: إما أن تكون نافية لنفي الاولى، وإما أن تكون نافية مؤكدة لنفي الاولى، وإما أن تكون زائدة، فإذا كانت الثانية نافية لنفي الاولى صار الكلام إثباتا، لان نفي النفي إثبات، ووجب إهمالهما جميعا، وإذا كانت الثانية زائدة وجب إهمال الاولى أيضا عند من يهمل " ما " إذا اقترنت بها " إن " الزائدة، وإن كانت " ما " الاولى نافية والثانية مؤكدة لنفي الاولى جاز لك حينئذ الاعمال، وعلى هذا ورد قول الراجز: لا ينسك الاسى تأسيا، فما مامن حمام أحد مستعصما فما الاولى هنا: نافية، والثانية مؤكدة لها، وأحد: اسمها، ومستعصما: خبرها، ومن حمام: جار ومجرور متعلق بمستعصم، وأصل الكلام: فما أحد مستعصما من حمام.
وبعد، فإنه يجب أن يحمل كلام من أجاز إعمال " ما " عند تكررها على أنه اعتبر الثانية مؤكدة لنفي الاولى، فيكون الخلاف في هذا الموضوع غير حقيقي.
(*)
(1/306)

هو " زيد " ولا يجوز أن يكون في موضع نصب خبرا عن " ما "، وأجازه قوم، وكلام سيبويه - رحمه الله تعالى ! - في هذه المسألة محتمل للقولين المذكورين - أعني القول باشتراط ألا يبدل من خبرها موجب، والقول بعدم اشتراط ذلك - فإنه قال بعد ذكر المثال المذكور - وهو " ما زيد بشئ، إلى آخره ": استوت اللغتان، يعني لغة الحجاز ولغة تميم، واختلف شراح الكتاب فيما يرجع إليه قوله: " استوت اللغتان " فقال قوم: هو راجع إلى الاسم الواقع قبل " إلا " والمراد أنه لا عمل ل " ما " فيه، فاستوت اللغتان في أنه مرفوع، وهؤلاء هم الذين شرطوا في إعمال " ما " ألا يبدل من خبرها موجب، وقال قوم: هو راجع إلى الاسم الواقع بعد " إلا "، والمراد أنه يكون مرفوعا (1) سواء جعلت " ما " حجازية، أو تميمية، وهؤلاء هم الذين لم يشترطوا في إعمال " ما " ألا يبدل من خبرها موجب، وتوجيه كل من القولين، وترجيح المختار منهما وهو الثاني لا يليق بهذا المختصر.
* * * ورفع معطوف بلكن أو ببل من بعد منصوب بما الزم حيث حل (2).
__________
(1) ظاهر هذا الكلام ليس بسديد، بل يجوز في " شئ " الواقع بعد " إلا " الرفع والنصب، أما النصب فعلى أحد وجهين: الاول الاستثناء، سواء أعملت ما أم أهملتها، الثاني على أنه بدل من شئ المجرور بالباء الزائدة بشرط أن تكون ما عاملة، وأما الرفع فعلى أحد وجهين: الاول أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، وكأنه قيل: إلا هو شئ لا يعبأ به، ولا فرق على هذا الوجه بين أن تكون ما عاملة، أو مهملة، والثاني أن يكون بدلا من شئ الاول بشرط أن تكون ما مهملة.
(2) " ورفع " مفعول به مقدم على عامله، وهو قوله " الزم " الآتي، ورفع
مضاف و " معطوف " مضاف إليه " لكن " جار ومجرور متعلق بمعطوف " أو ببل " = (*)
(1/307)

إذا وقع بعد خبر " ما " عاطف فلا يخلو: إما أن يكون مقتضيا للايجاب، أولا.
فإن كان مقتضيا للايجاب تعين رفع الاسم الواقع بعده وذلك نحو " بل، ولكن " - فتقول: " ما زيد قائما لكن قاعد " أو " بل قاعد "، فيجب رفع الاسم على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير " لكن هو قاعد، وبل هو قاعد " ولا يجوز نصب " قاعد " عطفا على خبر " ما "، لان " ما " لا تعمل في الموجب.
وإن كان الحرف العاطف غير مقتض للايجاب - كالواو ونحوها - جاز النصب والرفع، والمختار النصب، نحو " ما زيد قائما ولا قاعدا " ويجوز الرفع، فتقول: " ولا قاعد " وهو خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير " ولا هو قاعد ".
ففهم من تخصيص المصنف وجوب الرفع بما إذا وقع الاسم بعد " بل، ولكن " أنه لا يجب الرفع بعد غيرهما.
* * * وبعد ما وليس جر البا الخبر وبعد لا ونفي كان قد يجر (1)
__________
= معطوف على قوله " بلكن " السابق " من بعد " جار ومجرور متعلق برفع، وبعد مضاف و " منصوب " مضاف إليه " بما " جار ومجرور متعلق بمنصوب " الزم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " حيث " ظرف متعلق بالزم، مبني على الضم في محل نصب " حل " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والجملة من حل وفاعله في محل جر بإضافة حيث إليها.
(1) " وبعد " ظرف متعلق بقوله " جر " الآتي، وبعد مضاف، و " ما " قصد لفظه: مضاف إليه " وليس " قصد لفظه أيضا: معطوف على ما " جر " فعل = (*)
(1/308)

تزاد الباء كثيرا في الخبر بعد " ليس، وما " نحو قوله تعالى: (أليس الله بكاف عبده) و (أليس الله بعزيز ذي انتقام) و (وما ربك بغافل عما يعملون) و (وما ربك بظلام للعبيد) ولا تختص زيادة الباء بعد " ما " بكونها حجازية خلافا لقوم، بل تزاد بعدها وبعد التميمية، وقد نقل سيبويه والفراء - رحمهما الله تعالى ! - زيادة الباء بعد " ما " عن بني تميم، فلا التفات إلى من منع ذلك، وهو موجود في أشعارهم (1).
وقد اضطرب رأي الفارسي في ذلك، فمرة قال: لا تزاد الباء إلا بعد الحجازية، ومرة قال: تزاد في الخبر المنفي.
وقد وردت زيادة الباء قليلا في خبر " لا " كقوله:.
__________
= ماض " البا " قصر للضرورة: فاعل جر " الخبر " مفعول به لجر " وبعد " ظرف متعلق بقوله " يجر " الآتي، وبعد مضاف، و " لا " قصد لفظه: مضاف إليه " ونفي " معطوف على لا، ونفي مضاف، و " كان " قصد لفظه: مضاف إليه " قد " حرف تقليل " يجر " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر.
(1) من ذلك قول الفرزدق يمدح معن بن أوس، والفرزدق تميمي كما قلنا لك آنفا (305): لعمرك ما معن بتارك حفه ولا منسئ معن ولا متيسر ثم إن الباء قد دخلت في خبر " ما " غير العاملة بسبب فقدان شرط من شروط عملها، وذلك كما في قول المتنخل الهذلي:
لعمرك ما إن أبو مالك بواه، ولا بضعيف قواه فأبو مالك مبتدأ، ولا عمل لما فيه، لكونه قد جاء مسبوقا بإن الزائدة بعد ما ؟ وقد أدخل الباء في خبر هذا المبتدأ - وهو قوله " بواه " فدل ذلك على أن كون " ما " عاملة أو حجازية ليس بشرط لدخول الباء على خبرها.
(*)
(1/309)

76 - فكن لي شفيفا يوم لا ذو شفاعة بمغن فتيلا عن سواد بن قارب وفي خبر [ مضارع ] " كان " المنفية ب " لم " كقوله: 77 - وإن مدت الايدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم، إذ أجشع القوم أعجل * * *.
__________
76 - البيت لسواد بن قارب الاسدي الدوسي - يخاطب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبله قوله: فأشهد أن الله لا شئ غيره وأنك مأمون على كل غائب وأنك أدنى المرسلين وسيلة إلى الله يا ابن الاكرمين الاطا يب فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل وإن كان فيما جئت شيب الذوائب اللغة: " فتيلا " هو الخيط الرقيق الذي يكون في شق النواة.
الاعراب: " فكن " فعل أمر ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لي " جار ومجرور متعلق بقوله " شفيعا " الآتي " شفيعا " خبر كان " يوم " منصوب على الظرفية الزمانية ناصبه قوله شفيعا " لا " نافية تعمل عمل ليس " ذو " اسمها مرفوع بالواو نيابة عن الضمة، وذو مضاف، و " شفاعة " مضاف إليه " بمغن " الباء زائدة، مغن خبر لا، وهو اسم فاعل - فعله متعد - يرفع فاعلا وينصب
مفعولا، وفاعله ضمير مستتر فيه، و " فتيلا " مفعوله " عن سواد " جار ومجرور متعلق بمغن " ابن " صفة لسواد، وابن مضاف، و " قارب " مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " بمغن " حيث أدخل الباء الزائدة على خبر لا النافية كما تدخل على خبر ليس وعلى خبر ما.
(*) 77 - البيت للشنفري الازدي، وأكثر الرواة على أن اسمه هو لقبه، والبيت من قصيدته المشهورة بين المتأدبين باسم " لامية العرب " وأولها قوله: أقيمو بني أمي صدور مطيسكم فإني إلى قوم سواكم لاميل = (*)
(1/310)

في النكرات أعملت كليس " لا " وقد تلي " لات " و " إن " ذا العملا (1).
__________
= اللغة: أقيموا صدور مطيكم " هذه كناية عن طلب الاستعداد لعظائم الامور والجد في طلب المعالي، يقول: جدوا في أمركم وانتبهوا من رقدتكم " فإني إلى قوم سواكم إلخ " يؤذن قومه بأنه مرتحل عنهم ومفارقهم، وكأنه يقول ! إن غفلتكم توجب الارتحال عنكم، وإن ما أعاين من تراخيكم وإقراركم بالضيم لخليق بأن يزهدني في البقاء بينكم " أجشع القوم " الجشع - بالتحريك - أشد الطمع " أعجل " هو صفة مشبهة بمعنى عجل، وليس أفعل تفضيل، لان المعنى يأباه، إذ ليس مراده أن الاشد عجلة هو الجشع، ولكن غرضه أن يقول: إن من يحدث منه مجرد العجلة إلى الطعام هو الجشع، فافهم ذلك.
الاعراب: " إن " شرطية " مدت " مد: فعل ماض فعل الشرط، مبني للمجهول، مبني على الفتح في محل جزم، والتاء تاء التأنيث " الايدي " نائب فاعل لمد " إلى الزاد " جار ومجرور متعلق بقوله " مدت " السابق " لم " حرف نفي وجزم وقلب " أكن " فعل مضارع ناقص، وهو جواب الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " بأعجلهم " الباء زائدة، أعجل: خبر أكن، منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع
من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وأعجل مضاف والضمير مضاف إليه " إذ " كلمة دالة على التعليل قيل: هي حينئذ حرف، وقيل: هي ظرف، وعليه فهو متعلق بقوله " أعجل " السابق، و " أجشع " مبتدأ، وأجشع مضاف، و " القوم " مضاف إليه " أعجل " خبر المبتدأ.
الشاهد فيه: قوله " بأعجلهم " حيث أدخل الباء الزائدة على خبر مضارع كان المنفى بلم.
واستشهاد الشارح بهذا البيت يدل على أنه فهم أن مراد المصنف بقوله " نفي كان " نفي هذه المادة أعم من أن تكون بلفظ الماضي أو بلفظ المضارع، وأعم من هذه العبارة التي في الالفية قول المصنف في كتابه التسهيل " وبعد نفي فعل ناسخ "، لان الفعل الناسخ يشمل كان وأخواتها، وظن وأخواتها، بأي صيغة كانت هذه الافعال.
(1) " في النكرات " جار ومجرور متعلق بقوله " أعملت " الآتي " أعملت " أعمل: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث " كليس " جار ومجرور متعلق = (*)
(1/311)

وما ل " لات " في سوى حين عمل وحذف ذي الرفع فشا، والعكس قل (1) تقدم أن الحروف العاملة عمل " ليس " أربعة، وقد تقدم الكلام على " ما " وذكر هنا " لا " و " لات " و " إن ".
أما " لا " فمذهب الحجازيين إعمالها عمل " ليس "، ومذهب تميم إهمالها (2).
*
__________
= بمحذوف حال من " لا " أو صفة لموصوف محذوف، والتقدير: إعمالا مماثلا إعمال ليس " لا " قصد لفظه: نائب فاعل أعملت " وقد " حرف تقليل " تلي " فعل مضارع " لات " فاعل تلي " وإن " معطوف على لات " ذا " اسم إشارة مفعول به لتلي " العملا " بدل أو عطف بيان أو نعت لاسم الاشارة، وتقدير البيت:
أعملت في النكرات " لا " إعمالا مماثلا لاعمال ليس، وقد تلي لات وإن هذا العمل.
(1) " ما " نافية " للات " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " في سوى " جار ومجرور متعلق بقوله عمل الآتي، و " سوى " مضاف، و " حين " مضاف إليه " عمل " مبتدأ مؤخر " وحذف " مبتدأ، وحذف مضاف، و " ذي " بمعنى صاحب: مضاف إليه، وذي مضاف و " الرفع " مضاف إليه " فشا " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حذف ذي الرفع، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " والعكس " مبتدأ " قل " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى العكس، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو العكس.
وتقدير البيت: وما للات عمل في غير لفظ حين وما كان بمعناه، وحذف صاحب الرفع من معموليها مع بقاء المنصوب فاش كثير، والعكس - وهو حذف المنصوب وإبقاء المرفوع - قليل.
(2) قال أبو حيان: " لم يصرح أحد بأن إعمال لا عمل ليس بالنسبة إلى لغة مخصوصة إلا صاحب المغرب ناصر المطرزي، فإنه قال فيه: بنو تميم يهملونها، وغيرهم يعملها، وفي كلام الزمخشري: أهل الحجاز يعملونهما دون طيئ، وفي البسيط: القياس عند تميم عدم إعمالها، ويحتمل أن يكونوا وافقوا أهل الحجاز على إعمالها " وانظر هذا مع كلام الشارح.
(*)
(1/312)

ولا تعمل عند الحجازيين إلا بشروط ثلاثة (1): أحدها: أن يكون الاسم والخبر نكرتين، نحو " لا رجل أفضل منك "، ومنه قوله: 78 - تعز فلا شئ على الارض باقيا ولا وزر مما قضى الله واقيا.
__________
(1) وبقي من شروط إعمال " لا " عمل ليس شرطان، أولهما: ألا تكون لنفي
الجنس نصا، فإن كانت لنفي الجنس نصا عملت عمل إن المؤكدة التي تنصب الاسم وترفع الخبر، وبنى اسمها حينئذ على الفتح إن لم يكن مضافا ولا شبيها به، والشرط الثاني: ألا يتقدم معمول الخبر على اسمها، فإن تقدم نحو " لا عندك رجل مقيم ولا امرأة " أهملت.
78 - هذا البيت من الشواهد التي لم يذكروا لها قائلا معينا.
اللغة: " تعز " أمر من التعزي، وأصله من العزاء، وهو التصبر والتسلي على المصائب " وزر " هو الملجأ، والواقي، والحافظ " واقيا " اسم فاعل من الوقاية، وهي الرعاية والحفظ.
المعنى: اصبر على ما أصابك، وتسل عنه، فإنه لا يبقى على وجه الارض شئ، وليس للانسان ملجأ يقيه ويحفظه مما قضاه الله تعالى.
الاعراب: " تعز " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " فلا " الفاء تعليلية، ولا: نافية تعمل عمل ليس " شئ " اسمها " على الارض " جار ومجرور متعلق بقوله " باقيا " الآتي، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف صفة لشئ " باقيا " خبر لا " ولا " نافية " وزر " اسمها " مما " من: حرف جر، وما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن، والجار والمجرور متعلق بقوله " واقيا " الآتي " قضى الله " فعل وفاعل، والجملة لا محل لها صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: مما قضاه الله، و " واقيا " خبر لا.
الشاهد فيه: قوله " لا شئ باقيا، ولا وزر واقيا " حيث أعمل " لا " في الموضعين عمل ليس، واسمها وخبرها نكرتان.
هذا، وقد ذهب أبو الحسن الاخفش إلى أن " لا " ليس لها عمل أصلا، لا في = (*)
(1/313)

وقوله:
79 - نصرتك إذ لا صاحب غير خاذل فبوئت حصنا بالكماة حصينا.
__________
= الاسم ولا في الخبر، وأن ما بعدها مبتدأ وخبر، وذهب الزجاج إلى أن " لا " تعمل الرفع في الاسم ولا تعمل شيئا في الخبر، والخبر بعدها لا يكون مذكورا أبدا، وكلا المذهبين فاسد، وبيت الشاهد رد عليهما جميعا، فالخبر مذكور فيه فكان ذكره ردا لما ذهب إليه الزجاج، وهو منصوب، فكان نصبه ردا لما زعمه الاخفش.
79 - هذا الشاهد قد أنشده أبو الفتح بن جنى، ولم ينسبه إلى قائل، وكذا كل من وقفنا على كلام له ذكر فيه هذا البيت ممن جاء بعد أبي الفتح.
اللغة: " بوئت " فعل ماض مبني للمجهول، من قولهم: بوأه الله منزلا، أي أسكنه إياه " الكماة " جمع كمى، وهو الشجاع المتكمى في سلاحه، أي: المستتر فيه المتغطى به، وكان من عادة الفرسان المعدودين أن يكثروا من السلاح وعدد الحرب، ويلبسوا الدرع والبيضة والمغفر وغيرهن، لاحد أمرين، الاول: الدلالة على شجاعتهم الفائقة، والثاني: لانهم قتلوا كثيرا من فرسان أعدائهم، فلكثير من الناس عندهم ثارات، فهم يتحرزون من أن يأخذهم بعض ذوي الثارات على غرة.
الاعراب: " نصرتك " فعل وفاعل ومفعول به " إذ " ظرف للماضي من الزمان متعلق بنصر " لا " نافية تعمل عمل ليس " صاحب " اسمها " غير " خبر لا، وغير مضاف، و " خاذل " مضاف إليه " فبوثت " الفاء عاطفة، بوئ: فعل ماض مبني للمجهول، وتاء المخاطب نائب فاعل، وهو مقعول أول لبوئ " حصنا " مفعول ثان " بالكماة " جار ومجرور جعله العيني متعلقا بقوله " نصرتك " في أول البيت، وعندي أنه يجوز أن يتعلق بقوله " حصينا " الذي بعده، بل هو أولى وأحسن " حصينا " نعت لقوله حصنا السابق.
الشاهد فيه: قوله " لا صاحب غير خاذل " حيث أعمل لا مثل عمل ليس، فرفع
بها ونصب، واسمها وخبرها نكرتان، وهو أيضا كالبيت السابق رد لمذهبي الاخفش والزجاج.
(*)
(1/314)

وزعم بعضهم أنها قد تعمل في المعرفة، وأنشد للنابغة: 80 - بدت فعل ذي ود، فلما تبعتها تولت، وبقت حاجتي في فؤاديا وحلت سواد القلب، لا أنا باغيا سواها، ولا عن حبها متراخيا.
__________
80 - البيتان للنابغة الجعدي، أحد الشعراء المعمرين، أدرك الجاهلية، ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنشده من شعره، فدعا له، والبيتان من مختار أبي تمام.
اللغة: " فعل ذي ود " أراد أنها تفعل فعل صاحب المودة، فحذف الفعل وأبقى المصدر، والود - بتثليث الواو - المحبة، ومثله الوداد " تولت " أعرضت ورجعت " بقت حاجتي " بتشديد القاف - تركتها باقية " سواد القلب " سويداؤه وهي حبته السوداء " باغيا " طالبا " متراخيا " متهاونا فيه.
الاعراب: " بدت " بدا: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " فعل " قال العيني: منصوب بنزغ الخافض، أي: كفل، وعندي أنه منصوب على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف، أي: تفعل فعل مضاف إلخ، وفعل مضاف، و " ذي " مضاف إليه، وذي مضاف، و " ود " مضاف إليه " فلما " ظرف بمعنى حين ناصبه قوله " تولت " الذي هو جوابه " تبعتها " فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل جر بإضافة لما إليها " تولت " تولى: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " وبقت " مثله " حاجتي " حاجة: مفعول به لبقت، وحاجة مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " في فؤاديا " الجار والمجرور متعلق بقوله " بقت " السابق " وحلت " حل: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " سواد "
مفعول به لحلت، وسواد مضاف، و " القلب " مضاف إليه " لا " نافية تعمل عمل ليس " أنا " اسمها " باغيا " خبرها، وفاعله ضمير مستتر فيه " سواها " سوى: مفعول به لباغ، وسوى مضاف والضمير مضاف إليه " ولا " الواو عاطفة، ولا: نافية " عن حبها " الجار والمجرور متعلق بقوله متراخيا الآتي، وحب مضاف وضمير المؤنثة الغائبة مضاف إليه " متراخيا " معطوف على قوله باغيا السابق.
الشاهد فيه: قوله " لا أنا باغيا " حيث أعمل " لا " النافية عمل " ليس " مع أن اسمها معرفة، وهو " أنا "، وهذا شاذ، وقد تأول النحاة هذا البيت ونحوه - كما =
(1/315)

واختلف كلام المصنف في [ هذا ] البيت، فمرة قال: إنه مؤول، ومرة قال: إن القياس عليه سائغ (1).
الشرط الثاني: ألا يتقدم خبرها على اسمها، فلا تقول " لا قائما رجل ".
الشرط الثالث: ألا ينتقض النفي بإلا، فلا تقول: " لا رجل إلا أفضل من زيد " بنصب " أفضل "، بل يجب رفعه.
ولم يتعرض المصنف لهذين الشرطين.
* * *.
__________
= أشار إليه الشارح العلامة، نقلا عن المصنف بتأويلات كثيرة، أحدها: أن قوله " أنا " ليس اسما للا، وإنما هو نائب فاعل لفعل محذوف، وأصل الكلام على هذا " لا أرى باغيا " فلما حذف الفعل، وهو " أرى " برز الضمير المستتر، وانفصل أو يكون الضمير مبتدأ، وقوله " باغيا " حال من نائب فاعل فعل محذوف، والتقدير " لا أنا أرى باغيا "، وجملة الفعل المحذوف مع نائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ، ويكون قد استغنى بالمعمول وهو الحال الذي هو قوله " باغيا " عن العامل فيه الذي هو الفعل المحذوف، وزعموا أنه ليس في هذا التأويل ارتكاب شطط ولا غلو في
التقدير، فإن من سنن العربية الاستغناء بالمعمول عن العامل كما في الحال السادة مسد الخبر المفصحة عنه، كما اتضح لك ذلك في باب المبتدأ والخبر، فافهم ذلك، والله يرشدك ويتولاك.
(1) الذي ذهب إلى أن القياس على هذا البيت سائغ، هو أبو حيان، شارح كتاب التسهيل لابن مالك، فإن ابن مالك قال في التسهيل، " ورفعها معرفة نادر " فقال أبو حيان في شرح هذه العبارة ما نصه: " قال المصنف في الشرح (يريد ابن مالك): وشذ إعمالها في معرفة في قول النابغة الجعدي * وحلت سواد القلب لا أنا باغيا * البيت اه، وقد حذا المتنبي حذو النابغة فقال: إذا الجود لم يرزق خلاصا من الاذى فلا الحمد مكسوبا، ولا المال باقيا والقياس على هذا سائغ عندي (والمتكلم هو أبو حيان) وقد أجاز ابن جنى إعمال لا في المعرفة، وذكر ذلك في كتاب التمام " اه كلام أبي حيان بحروفه.
(*)
(1/316)

وأما " إن " النافية فمذهب أكثر البصريين والفراء أنها لا تعمل شيئا، ومذهب الكوفيين - خلا الفراء - أنها تعمل عمل " ليس "، وقال به من البصريين أبو العباس المبرد، وأبو بكر بن السراج، وأبو علي الفارسي، وأبو الفتح بن جنى، واختاره المصنف، وزعم أن في كلام سيبويه - رحمه الله تعالى ! - إشارة إلى ذلك، وقد ورد السماع به، قال الشاعر: 81 - إن هو مستوليا على أحد إلا على أضعف المجانين.
__________
81 - يكثر استشهاد النحاة بهذا البيت، ومع هذا لم يذكره أحد منهم منسوبا إلى قائل معين.
اللغة والرواية: يروى عجز هذا البيت في صور مختلفة: إحداها: الرواية التي رواها الشارح.
والثانية: * إلا على حزبه الملاعين * والثالثة: * إلا على حزبه المناحيس * " مستوليا " هو اسم فاعل من استولى، ومعناه كانت له الولاية على الشئ وملك زمام التصرف فيه " المجانين " جمع مجنون، وهو من ذهب عقله، وأصله عند العرب من خبله الجن، والمناحيس في الرواية الاخرى: جمع منحوس، وهو من حالفه سوء الطالع.
المعنى: ليس هذا الانسان بذي ولاية على أحد من الناس إلا على أضعف المجانين.
الاعراب: " إن " نافية تعمل عمل ليس " هو " اسمها " مستوليا " خبرها " على أحد " جار ومجرور متعلق بقوله " مستوليا " السابق " إلا " أداة استثناء " على أضعف " جار ومجرور يقع موقع المستثنى من الجار والمجرور السابق، وأضعف مضاف، و " المجانين " مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " إن هو مستوليا " حيث أعمل " إن " النافية عمل " ليس " فرفع بها الاسم الذي هو الضمير المنفصل، ونصب خبرها الذي هو قوله " مستوليا ".
= (*)
(1/317)

وقال آخر: 82 - إن المرء ميتا بانقضاء حياته ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا.
__________
= وهذا الشاهد يرد على الفراء وأكثر البصريين الذين ذهبوا إلى أن " إن " النافية لا تعمل شيئا، لا في المبتدأ ولا في الخبر، ووجه الرد من البيت ورود الخبر اسما مفردا منصوبا بالفتحة الظاهرة، ولا ناصب له في الكلام إلا " إن "، وليس لهم أن يزعموا
أن النصب بها شاذ، لوروده في الشعر كثيرا، ولوروده في النثر في نحو قول أهل العالية " إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية "، وقد قرأ بهذه اللغة سعيد بن جبير - رضي الله عنه ! - في الآية الكريمة التي تلاها الشارح.
ويؤخذ من هذا الشاهد - زيادة على ذلك - أن " إن " النافية مثل " ما " في أنها لا تختص بالنكرات كما تختص بها " لا ": فإن الاسم في البيت ضمير، وقد نص الشارح على هذا، ومثل له.
ويؤخذ منه أيضا أن انتقاض النفي بعد الخبر بإلا لا يقدح في العمل، لانه استثنى بقوله " إلا على أضعف.
إلخ ".
82 - وهذا البيت أيضا من الشواهد التي لا يعلم قائلها.
المعنى: ليس المرء ميتا بانقضاء حياته، وإنما يموت إذا بغى عليه باغ فلم يجد عونا له، ولا نصيرا يأخذ بيده، وينتصف له ممن ظلمه، يريد أن الموت الحقيقي ليس شيئا بالقياس إلى الموت الادبي.
الاعراب: " إن " نافية " المرء " اسمها " ميتا " خبرها " بانقضاء " جار ومجرور متعلق بقوله " ميتا " وانقضاء مضاف، وحياة من " حياته " مضاف إليه، وحياة مضاف والضمير مضاف إليه " ولكن " حرف استدراك " بأن " الباء جارة، وأن مصدرية " يبغى " فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الالف منع من ظهورها التعذر " عليه " جار ومجرور نائب عن الفاعل ليبغي، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالباء، أي بالبغي عليه، والجار والمجرور متعلق بمحذوف، والتقدير " ولكن يموت بالبغي عليه " وقوله " فيخذلا " الفاء = (*)
(1/318)

وذكر ابن جنى - في المحتسب - أن سعيد بن جبير - رضي الله عنه ! - قرأ (إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم) بنصب العباد.
ولا يشترط في اسمها وخبرها أن يكونا نكرتين، بل تعمل في النكرة والمعرفة، فتقول: " إن رجل قائما، [ وإن زيد القائم ]، وإن زيد قائما ".
* * * وأما " لات " فهي " لا " النافية زيدت عليها تاء التأنيث مفتوحة، ومذهب الجمهور أنها تعمل عمل " ليس "، فترفع الاسم، وتنصب الخبر، لكن اختصت بأنها لا يذكر معها الاسم والخبر معا، بل [ إنما ] يذكر معها أحدهما، والكثير في لسان العرب حذف اسمها وبقاء خبرها، ومنه قوله تعالى: (ولات حين مناص) بنصب الحين، فحذف الاسم وبقى الخبر، والتقدير " ولات الحين حين مناص " فالحين: اسمها، وحين مناص خبرها، وقد قرئ شذوذا (ولات حين مناص) برفع الحين على أنه اسم " لات " والخبر محذوف، والتقدير " ولات حين مناص لهم " أي: ولات حين مناص كائنا لهم، وهذا هو المراد بقوله: " وحذف ذي الرفع إلى آخر البيت ".
وأشار بقوله: " وما للات في سوى حين عمل " إلى ما ذكره سيبويه من أن.
__________
= عاطفة، ويخذل: فعل مضارع مبني للمجهول، معطوف على يبغى، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على المرء، والالف للاطلاق.
الشاهد فيه: قوله " إن المرء ميتا " حيث أعمل " إن " النافية عمل " ليس " فرفع بها ونصب، وفي هذا الشاهد مثل ما في الشاهد السابق من وجوه الاستنباط التي ذكرناها.
(1/319)

" لات " لا تعمل إلا في الحين، واختلف الناس فيه، فقال قوم: [ المراد ] أنها لا تعمل إلا في لفظ الحين، ولا تعمل فيما رادفه كالساعة ونحوها، وقال قوم: المراد أنها لا تعمل إلا في أسماء الزمان، فتعمل في لفظ الحين وفيما رادفه من أسماء
الزمان، ومن عملها فيما رادفه قول الشاعر: 83 - ندم البغاة ولات ساعة مندم والبغي مرتع مبتغيه وخيم
__________
83 - قيل: إن هذا الشاهد لرجل من طيئ، ولم يسموه، وقال العيني: قائله محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي، ويقال: مهلهل بن مالك الكناني، واستشهد الفراء بقوله " ولات ساعة مندم " ثم قال: ولا أحفظ صدره.
اللغة: " البغاة " جمع باغ، مثل قاض وقضاة وداع ودعاة ورام ورماة، والباغي: الذي يتجاوز قدره " مندم " مصدر ميمي بمعنى الندم " مرتع " اسم مكان من قولهم: رتع فلان في المكان يرتع - من باب فتح - إذا جعله ملهى له وملعبا، ومنه قوله تعالى (نرتع ونلعب) " وخيم " أصله أن يقال: وخم المكان، إذا لم ينجع كلؤه، أو لم يوافقك مناخه.
الاعراب: " ندم " فعل ماض " البغاة " فاعل ندم " ولات " الواو واو الحال، ولات: نافية تعمل عمل ليس، واسمها محذوف " ساعة " خبرها، والجملة في محل نصب حال، أي: ندم البغاة والحال أن الوقت ليس وقت الندم، لان وقته قد فات، وساعة مضاف و " مندم " مضاف إليه " والبغي " مبتدأ أول مرفوع بالضمة الظاهرة " مرتع " مبتدأ ثان مرفوع بالضمة الظاهرة، ومرتع مضاف ومبتغي من " مبتغيه " مضاف إليه ومبتغي مضاف والهاء مضاف إليه " وخيم " خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول.
الشاهد فيه: قوله " ولات ساعة مندم " حيث أعمل " لات " في لفظ " ساعة " وهي بمعنى الحين، وليست من لفظه، وهو مذهب الفراء - فيما نقله عنه جماعة منهم الرضي - إذ ذهب إلى أن " لات " لا يختص عملها بلفظ الحين، بل تعمل فيما دل = (*)
(1/320)

وكلام المصنف محتمل للقولين، وجزم بالثاني في التسهيل، ومذهب الاخفش أنها لا تعمل شيئا، وأنه إن وجد الاسم بعدها منصوبا فناصبه فعل مضمر، والتقدير " لات أرى حين مناص " وإن وجد مرفوعا فهو مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير " لات حين مناص كائن لهم " والله أعلم.
* * *.
__________
= على الزمان كساعة ووقت وزمان وأوان ونحو ذلك، وفي المسألة كلام طويل لا يليق بسطه بهذه العجالة.
ومثل البيت الشاهد ما أنشده ابن السكيت في كتاب الاضداد، وهو: ولتعرفن خلائقا مشمولة ولتندمن ولات ساعة مندم (21 - شرح ابن عقيل 1) (*)
(1/321)

أفعال المقاربة ككان كاد وعسى، لكن ندر غير مضارع لهذين خبر (1) هذا هو القسم الثاني من الافعال الناسخة [ للابتداء ]، وهو " كاد " وأخواتها، وذكر المصنف منها أحد عشر فعلا، ولا خلاف في أنها أفعال، إلا عسى، فنقل الزاهد عن ثعلب أنها حرف، ونسب أيضا إلى ابن السراج (2)،.
__________
(1) " ككان " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " كاد " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر " لكن " حرف استدراك " ندر " فعل ماض " غير " فاعل ندر، وغير مضاف و " مضارع " مضاف إليه " لهذين " جار ومجرور متعلق بقوله خبر الآتي " خبر " حال من فاعل ندر، وقد وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة التي تقف على المنصوب المنون بالسكون، كما يقف سائر العرب على المرفوع والمجرور المنونين.
(2) نص ابن هشام في أكثر كتبه على أن القول بأن " عسى " حرف هو قول الكوفيين، وتبعهم على ذلك ابن السراج، ونص في المغنى وشرح الشذور على أن ثعلبا
يرى هذا، وثعلب أحد شيوخ الكوفيين، وملخص مذهبهم أنهم قالوا: عسى حرف ترج، واستدلوا على ذلك بأنها دلت على معنى لعل، وبأنها لا تتصرف كما أن لعل كذلك لا تتصرف، ولما كانت لعل حرفا بالاجماع وجب أن تكون عسى حرفا مثلها، لقوة التشابه بينهما.
ومن العلماء من ذهب إلى أن " عسى " على ضربين (انظر ص 345 الآتية): الضرب الاول ينصب الاسم ويرفع الخبر مثل إن وأخواتها، وهذه حرف ترج، ومن شواهدها قول صخر بن العود الحضرمي: فقلت: عساها نار كأس، وعلها تشكى فآتي نحوها فأعودها والضرب الثاني: يرفع المبتدأ وينصب الخبر - وهو الذي نتحدث عنه في هذا الباب، وهو من أفعال المقاربة - وهذا فعل ماض، بدليل قبوله علامة الافعال الماضية كتاء الفاعل في نحو قوله تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض) وأما جمودها ودلالتها على معنى يدل عليه حرف فلا يخرجانها عن الفعلية، وكم من فعل يدل على معنى يدل عليه حرف، وهو مع ذلك جامد، ولم يخرجه ذلك عن فعليته، أليست = (*)
(1/322)

والصحيح أنها فعل، بدليل اتصال تاء الفاعل وأخواتها بها، نحو " عسيت " وعسيت، وعسيتما، وعسيتم، وعسيتن ".
وهذه الافعال تسمى أفعال المقاربة، وليست كلها للمقاربة، بل هي على ثلاثة أقسام: أحدها: ما دل على المقاربة، وهي: كاد، وكرب، وأوشك.
والثاني: ما دل على الرجاء، وهي: عسى، وحرى، واخلولق.
والثالث: ما دل على الانشاء، وهي: جعل، وطفق، وأخذ، وعلق، وأنشأ.
فتسميتها أفعال المقاربة من باب تسمية الكل باسم البعض.
وكلها تدخل على المبتدأ والخبر، فترفع المبتدأ اسما لها، ويكون خبره خبرا لها في موضع نصب، وهذا هو المراد بقوله: " ككان كاد وعسى " لكن الخبر في.
__________
= حاشا وعدا وخلا دالة على الاستثناء وهي جامدة، وقد جاءت حروف بألفاظها ومعانيها، فلم يكن ذلك موجبا لحرفيتها ؟ وهذا الذي ذكرناه - من أن " عسى " على ضربين، وأنها في ضرب منهما فعل، وفي الضرب الآخر حرف - هو مذهب شيخ النحاة سيبويه (وانظر كتابنا على شرح الاشموني ج 1 ص 463 وما بعدها في الكلام على الشاهد رقم 252).
ومن هذا كله يتضح لك: أن في " عسى " ثلاثة أقوال للنحاة، الاول: أنها فعل في كل حال، سواء اتصل بها ضمير الرفع أو ضمير النصب أم لم يتصل بها واحد منهما، وهو قول نحاة البصرة ورجحه المتأخرون، والثاني: أنها حرف في جميع الاحوال، سواء اتصل بها ضمير الرفع أو النصب أم لم يتصل بها أحدهما، وهو قول جمهرة الكوفيين ومنهم ثعلب، وابن السراج.
والثالث: أنها حرف إذا اتصل بها ضمير نصب كما في البيت الذي أنشدناه، وفعل فيما عدا ذلك، وهو قول سيبويه شيخ النحاة، ولا تتسع هذه العجالة السريعة إلى الاحتجاج لكل رأي وتخريج الشواهد على كل مذهب.
(*)
(1/323)

هذا الباب لا يكون إلا مضارعا، نحو " كاد زيد يقوم، وعسى زيد أن يقوم " وندر مجيئه اسما بعد " عسى، وكاد " كقوله: 84 - أكثرت في العذل ملحا دائما لا تكثرن إني عسيت صائما.
__________
84 - قال أبو حيان: " هذا البيت مجهول، لم ينسبه الشراح إلى أحد " اه، قال ابن هشام: " طعن في هذا البيت عبد الواحد في كتابه بغية الآمل ومنية السائل،
فقال: هو بيت مجهول، لم ينسبه الشراح إلى أحد، فسقط الاحتجاج به، ولو صح ما قاله لسقط الاحتجاج بخمسين بيتا من كتاب سيبويه، فإن فيه ألف بيت عرف قائلوها وخمسين بيتا مجهولة القائلين " اه، وقيل: إنه لرؤبة بن العجاج، وقد بحثت ديوان أراجيز رؤبة فلم أجده في أصل الديوان، وهو مما وجدته في أبيات جعلها ناشره ذيلا لهذا الديوان مما وجده في بعض كتب الادب منسوبا إليه، وذلك لا يدل على صحة نسبتها إليه أكثر مما تدل عليه عبارة المؤلف لكتاب الادب الذي نقل عنه.
اللغة: " العذل " الملامة " ملحا " اسم فاعل من " ألح يلح إلحاحا " أي أكثر.
الاعراب: " أكثرت " فعل وفاعل " في العذل " جار ومجرور متعلق بأكثر " ملحا " حال من التاء في أكثرت مؤكدة لعاملها " دائما " صفة للحال " لا تكثرن " لا: ناهية، والفعل المضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة في محل جزم بلا، ونون التوكيد حرف مبني على السكون لا محل له، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إني " إن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمها " عسيت " عسى: فعل ماض ناقص، وتاء المتكلم اسمه " صائما " خبره، والجملة من عسى واسمها وخبرها في محل رفع خبر " إن ".
الشاهد فيه: قوله " عسيت صائما " حيث أجرى " عسى " مجرى " كان " فرفع بها الاسم ونصب الخبر، وجاء بخبرها اسما مفردا، والاصل أن يكون خبرها جملة فعلية فعلها مضارع، ومثل هذا البيت قولهم في المثل " عسى الغوير أبؤسا ".
وفي البيت توجيه آخر، وهو أن " عسى " هنا فعل تام يكتفي بفاعل، وهو هنا = (*)
(1/324)

وقوله: 85 - فأبت إلى فهم، وما كدت آئبا
وكم مثلها فارقتها وهي تصفر.
__________
= تاء المتكلم، بدليل وقوع جملتها خبرا لان الناصبة للاسم الرافعة للخبر، وذلك لان عسى للترجي، والترجي إنشاء، وأيضا فإن الافعال الناقصة جملتها إنشائية، والجمل الانشائية لا تقع خبرا لان، عند الجمهور الذين يجوزون وقوع الانشائية خبرا للمبتدأ غير المنسوخ، وإذا كان ذلك كذلك فلابد أن تكون الجملة خبرية، فلا تكون " عسى " ناقصة، وأما قوله " صائما " على هذا فهو خبر " لكان " محذوفة مع اسمها، وتقدير الكلام: إني رجوت أن أكون صائما.
85 - هذا البيت لتأبط شرا - ثابت بن جابر بن سفيان - من كلمة مختارة، اختارها أبو تمام في حماسته (انظر شرح التبريزي 1 / 85 بتحقيقنا) وأولها قوله: إذا المرء لم يحتل وقد جد جده أضا، وقاسى أمره وهو مدبر اللغة: " أبت " رجعت " فهم " اسم قبيلته، وأبوها فهم بن عمرو بن قيس عيلان " تصفر " أراد تتأسف وتتحزن على إفلاتي منها، بعد أن ظن أهلها أنهم قد قدروا على.
وقصة ذلك أن قوما من بني لحيان - وهم حي من هذيل - وجدوا تأبط شرا يشتار عسلا من فوق جبل، ورآهم يترصدونه، فخشى أن يقع في أيديهم، فانتحى من الجبل ناحية بعيدة عنهم، وصب ما معه من العسل فوق الصخر، ثم انزلق عليه حتى انتهى إلى الارض، ثم أسلم قدميه للريح، فنجا من قبضتهم.
المعنى: يقول: إني رجعت إلى قومي بعد أن عز الرجوع إليهم، وكم مثل هذه الخطة فارقتها، وهي تتأسف وتتعجب مني كيف أفلت منها.
الاعراب: " فأبت " الفاء عاطفة، آب: فعل ماض، وتاء المتكلم فاعله " إلى فهم " جار ومجرور متعلق بأبت " وما " الواو حالية، ما: نافية " كدت " كاد: فعل ماض ناقص، والتاء اسمه " آئبا " خبر كاد، والجملة في محل نصب حال " وكم " الواو حالية، كم: خبرية بمعنى كثير مبتدأ، مبني على السكون في محل رفع " مثلها "
مثل: تمييز لكم مجرور بالكسرة الظاهرة، ومثل مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه " فارقتها " فعل وفاعل ومفعول به " وهي " الواو للحال، هي: مبتدأ " تصفر " = (*)
(1/325)

وهذا هو مراد المصنف بقوله: " لكن ندر - إلى آخره " لكن في قوله " غير مضارع " إيهام، فإنه يدخل تحته: الاسم، والظرف، والجار والمجرور، والجملة الاسمية، والجملة الفعلية بغير المضارع، ولم يندر مجئ هذه كلها خبرا عن " عسى، وكاد " بل الذي ندر مجئ الخبر اسما، وأما هذه فلم يسمع مجيئها خبرا عن هذين.
* * * وكونه بدون " أن " بعد عسى نزر، وكاد الامر فيه عكسا (1).
__________
= فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب حال.
الشاهد فيه: قوله " وما كدت آئبا " حيث أعمل " كاد " عمل " كان " فرفع بها الاسم ونصب الخبر، ولكنه أتى بخبرها اسما مفردا، والقياس في هذا الباب أن يكون الخبر جملة فعلية فعلها مضارع، ولهذا أنكر بعض النحاة هذه الرواية، وزعم أن الرواية الصحيحة هي " وما كنت آئبا ".
(1) " وكونه " الواو عاطفة، وكون: مبتدأ وهو مصدر كان الناقصة فيحتاج إلى اسم وخبر سوى خبره من جهة الابتداء وكون مضاف والضمير مضاف إليه وهو اسمه، وخبره محذوف، أي: وكونه واردا " بدون " جار ومجرور متعلق بذلك الخبر المحذوف، ودون مضاف و " أن " قصد لفظه: مضاف إليه " بعد " ظرف متعلق أيضا بذلك الخبر المحذوف، وبعد مضاف، و " عسى " قصد لفظه: مضاف إليه " نزر " خبر المبتدأ الذي هو قوله كونه " وكاد " الواو عاطفة، وكاد قصد لفظه: مبتدأ أول " الامر "
مبتدأ ثان " فيه " جار ومجرور متعلق بقوله " عكس " الآتي " عكسا " فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الامر، والجملة من عكس ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول.
(*)
(1/326)

أي: اقتران خبر " عسى " ب " أن " كثير (1)، وتجريده من " أن " قليل، وهذا مذهب سيبويه ومذهب جمهور البصريين أنه لا يتجرد خبرها من " أن " إلا في الشعر، ولم يرد في القرآن إلا مقترنا ب " أن " قال الله تعالى: (فعسى الله أن يأتي بالفتح)، وقال عزوجل: (عسى ربكم أن يرحمكم).
ومن وروده بدون " أن " قوله: 86 - عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب.
__________
(1) أنت إذا قلت " عسى زيد أن يقوم " فزيد: اسم عسى، وأن والفعل في تأويل مصدر خبره، ويلزم على ذلك الاخبار باسم المعنى وهو المصدر عن اسم الذات وهو زيد، وهو غير الاصل والغالب في كلام العرب.
وللعلماء في الجواب عن ذلك أربعة وجوه: أولها: أن الكلام حينئذ على تقدير مضاف، إما قبل الاسم وكأنك قلت: عسى أمر زيد القيام، وإما قبل الخبر وكأنك قلت: عسى زيد صاحب القيام، فعلى الاول تكون قد أخبرت باسم معنى عن اسم معنى، وعلى الثاني تكون قد أخبرت باسم يدل على الذات عن اسم ذات، لان اسم الفاعل يدل على الذات التي وقع منها الحدث أو قام بها.
وثانيها: أن هذا المصدر في تأويل الصفة، وكأنك قد قلت: عسى زيد قائما.
وثالثها: أن الكلام على ظاهره، والمقصود المبالغة في زيد حتى كأنه هو نفس القيام.
وهذه الوجوه الثلاثة جارية في كل مصدر صريح أو مؤول يخبر به عن اسم الذات، أو يقع نعتا لاسم ذات، أو يجئ حالا من اسم الذات.
ورابعها: أن " أن " ليست مصدرية في هذا الموضع، بل هي زائدة، فكأنك قلت: عسى زيد يقوم، وهذا وجه ضعيف، لانها لو كانت زائدة لم تعمل النصب، ولسقطت من الكلام في السعة أحيانا، وهي لا تسقط إلا نادرا لضرورة الشعر.
86 - البيت لهدبة بن خشرم العذري، من قصيدة قالها وهو في الحبس، وقد = (*)
(1/327)

.
__________
روى أكثر هذه القصيدة أبو علي القالي في أماليه، وروى أبو السعادات ابن الشجري في حماسته منها أكثر مما رواه أبو علي، وأول هذه القصيدة قوله: طربت، وأنت أحيانا طروب وكيف وقد تعلاك المشيب ؟ يجد النأي ذكرك في فؤادي إذا ذهلت على النأي القلوب يؤرقني اكتئاب أبي نمير فقلبي من كآبته كئيب فقلت له: هداك الله ! مهلا وخير القول ذو اللب المصيب عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب اللغة: " طربت " الطرب: خفة تصيب الانسان من فرح أو حزن " النأي " البعد " الكرب " الهم والغم " أمسيت " قال ابن المستوفى: يروى بضم التاء وفتحها، والنحويون إنما يروونه بضم التاء، والفتح عند أبي حنيفة أولى، لانه يخاطب ابن عمه أبا نمير كما هو ظاهر من الابيات التي رويناها، وكان أبو نمير معه في السجن.
الاعراب: " عسى " فعل ماض ناقص " الكرب " اسم عسى مرفوع به " الذي " اسم موصول صفة للكرب " أمسيت " أمسى: فعل ماض ناقص، والتاء اسمه " فيه "
جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر أمسى، والجملة من أمسى واسمه وخبره لا محل لها صلة الموصول " يكون " فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه " وراءه " وراء: ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، ووراء مضاف والهاء مضاف إليه " فرج " مبتدأ مؤخر " قريب " صفة لفرج، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر " يكون " والجملة من " يكون " واسمها وخبرها في محل نصب خبر " عسى ".
الشاهد فيه: قوله " يكون وراءه - إلخ " حيث وقع خبر " عسى " فعلا مضارعا مجردا من " أن " المصدرية، وذلك قليل، ومثله الشاهد الذي بعده (ش 87) وقول الآخر: عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر بمنهمر جون الرباب سكوب (المنهمر: أراد به المطر الكثير، والجون: الاسود، والرباب: السحاب، والسحاب الاسود دليل على أنه حافل بالمطر) ومثل هذه الابيات قول الآخر: فأما كيس فنجا، ولكن عسى يغتر بي حمق لئيم (*)
(1/328)

وقوله: 87 - عسى فرج يأتي به الله، إنه له كل يوم في خليقته أمر وأما " كاد " فذكر المصنف أنها عكس " عسى "، فيكون الكثير في.
__________
87 - البيت من الشواهد التي لا يعلم قائلها، وألفاظه كلها ظاهرة المعنى.
الاعراب: " عسى " فعل ماض ناقص " فرج " اسمه " يأتي " فعل مضارع " به " جار ومجرور متعلق بيأتي " الله " فاعل يأتي، والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب خبر عسى " إنه " إن: حرف توكيد ونصب، والهاء ضمير الشأن اسمه " له " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " كل " منصوب على الظرفية الزمانية لاضافته إلى اسم الزمان متعلق بما تعلق به الجار والمجرور قبله، وكل مضاف، و " يوم " مضاف
إليه " في خليقته " الجار والمجرور يتعلق بما تعلق به الجار والمجرور السابق، وخليقة مضاف والضمير الموضوع للغائب العائد إلى الله تعالى مضاف إليه " أمر " مبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ وخبره في محل رفع خبر " إن ".
الشاهد فيه: قوله: " يأتي به الله " حيث جاء خبر " عسى " فعلا مضارعا مجردا من أن المصدرية، وهذا قليل، ومثله سوى ما ذكرناه مع الشاهد 86 - قول الفرزدق: وماذا عسى الحجاج يبلغ جهده إذا نحن جاوزنا حفير زياد وفي بيت الفرزدق هذا شاهد آخر، وحاصله: أنه يجوز في الفعل المضارع الذي يقع خبرا لعسى خاصة أن يرفع اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير يعود إلى اسم عسى.
فأما غير " عسى " من أفعال هذا الباب فلا يجوز في الفعل المضارع الواقع خبرا لها إلا أن يكون رافعا لضمير يعود على الاسم، وأما قول ذي الرمة: وأسقيه حتى كاد مما أبثه تكلمني أحجاره وملاعبه فظاهره أن المضارع الواقع خبرا لكاد وهو " تكلمني " رفع اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير الاسم وهو " أحجاره " فهذا ونحوه شاذ أو مؤول.
أما بيت الشاهد (رقم 87) فقد رفع المضارع فيه اسما أجنبيا من اسم عسى، فلا هو ضمير الاسم، ولا هو اسم ظاهر مضاف إلى الاسم، وذلك شاذ أيضا.
(*)
(1/329)

خبرها أن يتجرد (1) من " أن " ويقل اقترانه بها، وهذا بخلاف ما نص عليه الاندلسيون من أن اقتران خبرها ب " أن " مخصوص بالشعر، فمن تجريده من " أن " قوله تعالى: (فذبحوها وما كادوا يفعلون) وقال: (من بعد ما كاد تزيغ قلوب فريق منهم) (1) ومن اقترانه ب " أن " قوله صلى الله عليه وسلم: " ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب " وقوله:
88 - كادت النفس أن تفيض عليه إذ غدا حشو ريطة وبرود * * *.
__________
(1) ومثل الآيتين الكريمتين قول أحد أصحاب مصعب بن الزبير، يرثيه وهو الشاهد (رقم 149) الآتي في باب الفاعل: لما رأى طالبوه مصعبا ذعروا وكاد - لو ساعد المقدور - ينتصر الشاهد فيه: قوله " كاد ينتصر " فإن الفعل المضارع الواقع خبرا لكاد لم يقترن بأن.
88 - هذا البيت من الشواهد التي يذكرها كثير من النحاة وعلماء اللغة غير منسوبة إلى قائل معين، وقد عثرنا بعد طويل البحث على أنه من كلمة لمحمد بن مناذر، أحد شعراء البصرة يرثي فيها رجلا اسمه عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي، وقبله: إن عبد المجيد يوم توفي هد ركنا ما كان بالمهدود ليت شعري، وهل درى حاملوه ما على النعش من عفاف وجود ؟ اللغة: " تفيض " من قولهم " فاضت نفس فلان " ويرى في مكانه " تفيظ " وكل الرواة يجيزون أن تقول " فاضت نفس فلان " إلا الاصمعي فإنه أبي إلا أن تقول " فاظت نفس فلان " بالظاء، وكلام غير الاصمعي أسد، فهذا البيت الذي نشرحه دليل على صحته، وكذلك قول الآخر: تفيض نفوسها ظمأ، وتخشى حماما، فهي تنظر من بعيد قول الراجز: تجمع الناس، وقالوا: عرس ففقئت عين، وفاضت نفس = (*)
(1/330)

وكعسى حرى، ولكن جعلا خبرها حتما ب " أن " متصلا (1)
__________
= وقول الشاعر في بيت الشاهد " ريطة " بفتح الراء وسكون الياء المثناة - الملاءة
إذا كانت قطعة واحدة، وأراد هنا الاكفان التي يلف فيها الميت.
الاعراب: " كادت " كاد: فعل ماض ناقص، والتاء للتأنيث " النفس " اسم كاد " أن " مصدرية " تفيض " فعل مضارع منصوب بأن، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود للنفس، والجملة خبر " كاد " في محل نصب " عليه " جار ومجرور متعلق بقوله تفيض السابق " إذ " ظرف للماضي من الزمان متعلق بقوله " تفيض " أيضا " غدا " فعل ماض بمعنى صار، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على عبد المجيد المرثى " حشو " خبر غدا، وحشو مضاف و " ريطة " مضاف إليه " وبرود " معطوف على ريطة.
الشاهد فيه: قوله " أن تفيض " حيث أنى بخبر " كاد " فعلا مضارعا مقترنا بأن، وذلك قليل، والاكثر أن يتجرد منها، ومثل هذا البيت قول الشاعر: أبيتم قبول السلم منا، فكدتم لدى الحرب أن تغنوا السيوف عن السل وقول رؤبة بن العجاج: ربع عفاه الدهر طولا فامحى قد كاد من طول البلى أن يمصحا ومنه قول جبير بن مطعم - رضي الله تعالى عنه ! - " كاد قلبي أن يطير " ومع ورود المضارع الواقع خبرا لكاد مقترنا بأن - في الشعر والنثر نرى أن قول الاندلسيين: إن اقترانه بأن مع كاد ضرورة لا يجوز ارتكابها إلا في الشعر، غير سديد، والصواب ما ذكره الناظم وهو في هذا تابع لسيبويه.
(1) " كعسى " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " حرى " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر " ولكن " حرف استدراك " جعلا " جعل: فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق " خبرها " خبر: نائب فاعل جعل وهو مفعول أول وخبر مضاف والضمير مضاف إليه " حتما " صفة لموصوف محذوف يقع مفعولا مطلقا، أي: اتصالا حتما " بأن " جار ومجرور متعلق بقوله متصلا الآتي " متصلا " مفعول
ثان لجعل.
(*)
(1/331)

وألزموا اخلولق " أن " مثل حرى وبعد أوشك انتفا " أن " نزرا (1) يعني أن " حرى " مثل " عسى " في الدلالة على رجاء الفعل، لكن يجب اقتران خبرها ب " أن "، نحو " حرى زيد أن يقوم " ولم يجرد خبرها من " أن " لا في الشعر ولا في غيره، وكذلك " اخلولق " تلزم " أن " خبرها نحو " اخلولقت السماء أن تمطر " وهو من أمثلة سيبويه، وأما " أوشك " فالكثير اقتران خبرها ب " أن " ويقل حذفها منه، فمن اقترانه بها قوله: 89 - ولو سئل الناس التراب لاوشكوا - إذا قيل هاتوا - أن يملوا ويمنعوا.
__________
(1) " وألزموا " فعل وفاعل " اخلولق " قصد لفظه: مفعول أول لالزم " أن " قصد لفظه أيضا: مفعول ثان لالزم " مثل " حال صاحبه قوله " اخلولق " السابق، ومثل مضاف و " حرى " قصد لفظه: مضاف إليه " وبعد " ظرف متعلق بقوله " انتفا " الآتي، وبعد مضاف، و " أوشك " قصد لفظه: مضاف إليه " انتفا " قصر للضرورة: مبتدأ، وانتفا مضاف و " أن " قصد لفظه: مضاف إليه " نزرا " فعل ماض، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى انتفا، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو انتفا، وتقدير البيت: وألزم العرب اخلولق أن حال كونه مشبها في ذلك حرى، وانتفاء أن بعد أوشك قد قل.
89 - هذا البيت أنشده ثعلب في أماليه (ص 433) عن ابن الاعرابي، ولم ينسبه إلى أحد، ورواه الزجاجي في أماليه أيضا (ص 126) وقبله: أبا مالك، لا تسأل الناس، والتمس بكفيك فضل الله، والله أوسع
المعنى: إن من طبع الناس أنهم لو سئلوا أن يعطوا أتفه الاشياء، وأهونها خطرا، وأقلها قيمة لما أجابوا، بل إنهم ليمنعون السائل ويملون السؤال.
الاعراب: " ولو " شرطية غير جازمة " سئل " فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط " الناس " نائب فاعل سئل، وهو المفعول الاول " التراب " مفعول ثان لسئل " لاوشكوا " اللام واقعة في جواب " لو " وأوشك: فعل ماض ناقص، = (*)
(1/332)

ومن تجرده منها قوله: 90 - يوشك من فر من منيته في بعض غراته يوافقها * * *.
__________
= وواو الجماعة اسمه " إذا " ظرف للمستقبل من الزمان " قيل " فعل ماض مبني للمجهول " هاتوا " فعل أمر وفاعله، وجملتهما في محل رفع نائب فاعل لقيل، وجملة قيل ونائب فاعله في محل جر بإضافة " إذا " إليها، وجواب الشرط محذوف، وجملة الشرط وجوابه لا محل لها معترضة بين أوشك مع مرفوعها وخبرها " أن " مصدرية " يملوا " فعل مضارع منصوب بأن، وواو الجماعة فاعل، والجملة في محل نصب خبر أوشك " ويمنعوا " معطوف على يملوا.
الشاهد فيه: يستشهد النحاة بهذا البيت ونحوه على أمرين، الاول: في قوله " لاوشكوا " حيث ورد " أوشك " بصيغة الماضي، وهو يرد على الاصمعي وأبي علي اللذين أنكرا استعمال " أوشك " وزعما أنه لم يستعمل من هذه المادة إلا " يوشك " المضارع وسيأتي للشارح ذكر هذا، والاستشهاد له بهذا البيت (ص 338)، والامر الثاني: في قوله " أن يملوا " حيث أتي بخبر " أوشك " جملة فعلية فعلها مضارع مقترن بأن، وهو الكثير.
ومن الشواهد على هذين الامرين قول جرير يهجو العباس بن يزيد الكندي:
إذا جهل الشقي ولم يقدر ببعض الامر أوشك أن يصابا وقول الكلحبة اليربوعي: إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت حبال الهوينى بالفتى أن تقطعا 90 - البيت لامية بن أبي الصلت، أحد شعراء الجاهلية، وزعم صاعد أن البيت لرجل من الخوارج، وليس ذلك بشئ، وهو من شواهد سيبويه (ج 2 ص 479).
اللغة: " منيته " المنية الموت " غراته " جمع غرة بكسر الغين وهي الغفلة " يوافقها " يصيبها ويقع عليها.
المعنى: إن من فر من الموت في الحرب لقريب الوقوع بين برائنه في بعض غفلاته، = (*)
(1/333)

ومثل كاد في الاصح كربا وترك " أن " مع ذي الشروع وجبا (1) كأنشأ السائق يحدو، وطفق، كذا جعلت، وأخذت، وعلق (2).
__________
= والغرض تشجيع المخاطبين على اقتحام أهوال الحروب وخوض معامعها، إذ كان الموت ولا بد نازل بكل أحد.
الاعراب: " يوشك " فعل مضارع ناقص " من " اسم موصول اسم يوشك " فر " فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم الموصول والجملة لا محل لها صلة " من منيته " الجار والمجرور متعلق بفر، ومنية مضاف والهاء مضاف إليه " في بعض " الجار والمجرور متعلق بقوله " يوافقها " الآتي، وبعض مضاف وغرات من " غراته " مضاف إليه، وغرات مضاف وضمير الغائب مضاف إليه " يوافقها " يوافق: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والضمير البارز الذي هو للغائبة مفعول به، وجملة يوافقها في محل نصب خبر " يوشك ".
الشاهد فيه: قوله " يوافقها " حيث أتى بخبر " يوشك " جملة فعلية فعلها مضارع مجرد من " أن " وهذا قليل.
(1) " مثل " خبر مقدم، ومثل مضاف، و " كاد " قصد لفظه: مضاف إليه " في الاصح " جار ومجرور متعلق بقوله مثل لتضمنه معنى المشتق " كربا " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر " وترك " مبتدأ، وترك مضاف و " أن " قصد لفظه: مضاف إليه " مع " ظرف متعلق بترك، ومع مضاف و " ذي " مضاف إليه، وذي مضاف و " الشروع " مضاف إليه " وجبا " فعل ماض، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ترك الواقع مبتدأ، والجملة من وجب وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
(2) " كأنشأ " الكاف جارة لقول محذوف، أنشأ: فعل ماض ناقص " السائق " اسمه " يحدو " فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل وفاعله ضمير مستتر فيه، والجملة من الفعل المضارع وفاعله في محل نصب خبر أنشأ " وطفق " معطوف على أنشأ " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " جعلت " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر " وأخذت، وعلق " معطوفان على جعلت.
(*)
(1/334)

لم يذكر سيبويه في " كرب " إلا تجرد خبرها من " أن "، وزعم المصنف أن الاصح خلافه، وهو أنها مثل " كاد "، فيكون الكثير فيها تجريد خبرها من " أن " ويقل اقترانه بها، فمن تجريده قوله: 91 - كرب القلب من جواه يذوب حين قال الوشاة: هند غضوب وسمع من اقترانه بها قوله: 92 - سقاها ذوو الاحلام سجلا على الظما وقد كربت أعناقها أن تقطعا
.
__________
91 - قيل: إن هذا البيت لرجل من طيئ، وقال الاخفش: إنه للكلحبة اليربوعي أحد فرسان بني تميم وشعرائهم المجيدين.
اللغة: " جواه " الجوى: شدة الوجد " الوشاة " جمع واش، وهو التمام الساعي بالافساد بين المتوادين، والذي يستخرج الحديث بلطف، ويروى " حين قال العذول " وهو اللائم " غضوب " صفة من الغضب يستوي فيها المذكر المؤنث كصبور.
المعنى: لقد قرب قلبي أن يذوب من شدة ما حل به من الوجد والحزن، حين أبلغني الوشاة الذين يسعون بالافساد بيني وبين من أحبها أنها غاضبة علي.
الاعراب: " كرب " فعل ماض ناقص " القلب " اسمه " من جواه " الجار والمجرور متعلق بقوله " يذوب " الآتي، أو بقوله " كرب " السابق، وجوى مضاف وضمير الغائب العائد إلى القلب مضاف إليه " يذوب " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى القلب، والجملة من يذوب وفاعله في محل نصب خبر كرب " حين " منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بقوله يذوب السابق " قال " فعل ماض " الوشاة " فاعل قال " هند " مبتدأ " غضوب " خبره، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب مقول القول، وجملة قال وفاعله ومفعوله في محل جر بإضافة " حين " إليها.
الشاهد فيه: قوله " يذوب " حيث أتى بخبر " كرب " فعلا مضارعا مجردا من أن.
92 - البيت لابي يزيد الاسلمي، من كلمة له يهجو فيها إبراهيم بن هشام = (*)
(1/335)

.
__________
= ابن إسماعيل بن هشام بن المغيرة، والى المدينة من قبل هشام بن عبد الملك بن مروان وكان قد مدحه من قبل فلم ترقه مدحته، ولم يعطه، ولم يكتف بالحرمان، بل أمر به فضرب بالسياط، وأول هذه الكلمة قوله:
مدحت عروقا للندى مصت الثرى حديثا، فلم تهمم بأن تترعرعا نقائذ بؤس ذاقت الفقر والغنى وحلبت الايام والدهر أضرعا اللغة: " مصت الثرى حديثا " أراد أنهم حديثو عهد بنعمة، فكنى عن ذلك المعنى بهذه العبارة، ولما عبر عنهم أولا بالعروق جعل الكناية من جنس ذلك الكلام " بأن تترعرعا " يروى براءين مهملتين بينهما عين مهملة، ويروى " تتزعزها " بزاءين معجمتين بينهما عين مهملة كذلك، ومعناه تتحرك، يريد أنهم حدثت لهم النعمة بعد البؤس والضيق، فليس لهم في الكرم عرق ثابت، فهم لا يتحركون للبذل، ولا تهش نفوسهم للعطاء " نقائذ " جمع نقيذ، بمعنى اسم المفعول، يريد أن ذوي قرابة هؤلاء أنقذوهم من البؤس والفقر " أضرع " هو جمع ضرع، والعبارة مأخوذة من قول العرب: حلب فلان الدهر أشطره، يريدون ذاق جلوه ومره " ذوو الاحلام " أصحاب العقول، ويروى " ذوو الارحام " وهم الاقارب من جهة النساء " سجلا " - بفتح فسكون - الدلو ما دام فيها ماء قليلا كان ما فيها من الماء أو كثيرا، وجمعه سجال، فإن لم يكن فيها ماء أصلا فهي دلو لا غير.
ولا يقال حينئذ سجل، والغرب - بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة، وكذلك الذنوب - بفتح الذال المعجمة - مثل السجل، يريد أن الذي منحه ذوو أرحام هؤلاء إياهم شئ كثير لو وزع على الناس جميعا لوسعهم وكفاهم، ولكنهم قوم بخلاء ذوو أثرة وأنانية، فلا يجودون وإن كثر ما بأيديهم وزاد عن حاجتهم.
المعنى: إن هذه العروق التي مدحتها فردتني إنما هي عروق ظلت في الضر والبؤس حتى أنقذها ذوو أرحامها بعد أن أوشكت أن تموت، ويقصد بذوي أرحامها بني مروان.
= (*)
(1/336)

والمشهور في " كرب " فتح الراء، ونقل كسرها أيضا.
ومعنى قوله " وترك أن مع ذي الشروع وجبا " أن ما دل على الشروع في الفعل لا يجوز اقتران خبره ب " أن " لما بينه وبين " أن " من المنافاة، لان المقصود به الحال، و " أن " للاستقبال، وذلك نحو " أنشأ السائق يحدو، وطفق زيد يدعو، وجعل يتكلم، وأخذ ينظم، وعلق يفعل كذا ".
* * * واستعملوا مضارعا لاوشكا وكاد لا غير، وزادوا موشكا (1).
__________
= الاعراب: " سقاها " سقى: فعل ماض، وضمير الغائبة مفعوله الاول " ذوو " فاعل سقى، وذوو مضاف، و " الاحلام " مضاف إليه " سجلا " مفعول ثان لسقى " على الظما " جار ومجرور متعلق بسقاها " وقد " الواو واو الحال، قد: حرف تحقيق " كربت " كرب: فعل ماض ناقص، والتاء تاء التأنيث " أعناقها " أعناق اسم كرب، وأعناق مضاف والضمير مضاف إليه " أن " مصدرية " تقطعا " فعل مضارع حذفت منه إحدى التاءين وأصله تتقطعا منصوب بأن، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى أعناق، والجملة في محل نصب خبر كرب، والجملة من كرب واسمها وخبرها في محل نصب حال.
الشاهد فيه: قوله " أن تقطعا " حيث أنى بخبر " كرب " فعلا مضارعا مقترنا بأن وهو قليل، حتى إن سيبويه لم يحك فيه غير التجرد من " أن "، وفي هذا البيت (و) ؟ عليه، ومثله قول الراجز، وهو العجاج بن رؤبة: قد برت أو كربت أن تبورا لما رأيت ييهسا مثبورا ومن ورود خبر " كرب " مضارعا غير مقترن بأن سوى الشاهد السابق (رقم 91) قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
فلا تحرمي نفسا عليك مضيقة وقد كربت من شدة الوجد تطلع (1) " واستعملوا " فعل وفاعل " مضارعا " مفعول به لاستعمل " لاوشكا " جار = (22 - شرح ابن عقيل 1) (*)
(1/337)

أفعال هذا الباب لا تتصرف، إلا " كاد، وأوشك "، فإنه قد استعمل منهما المضارع، نحو قوله تعالى: (يكادون يسطون) وقول الشاعر: * يوشك من فر من منيته (1) * [ 90 ] وزعم الاصمعي أنه لم يستعمل " يوشك " إلا بلفظ المضارع [ ولم تستعمل " أوشك " بلفظ الماضي ] وليس بجيد، بل قد حكى الخليل استعمال الماضي، وقد ورد في الشعر، كقوله: ولو سئل الناس التراب لاوشكوا إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا (2) [ 89 ] نعم الكثير فيها استعمال المضارع [ وقل استعمال الماضي ] وقول المصنف: " وزادوا موشكا " معنا أنه قد ورد أيضا استعمال اسم الفاعل من " أوشك " كقوله: 93 - فموشكة أرضنا أن تعود خلاف الانيس وحوشا يبابا.
__________
= ومجرور متعلق بقوله استعملوا " وكاد " معطوف على أوشك " لا " عاطفة " غير " معطوف على أوشك، مبني على الضم لقطعه عن الاضافة في محل جر " وزادوا " فعل وفاعل " موشكا " مفعول به لزاد.
(1) هذا هو الشاهد رقم (90) وقد سبق شرحه قريبا، فانظره (ص 333) ومحل الشاهد فيه هنا قوله " يوشك " حيث استعمل فعلا مضارعا لاوشك، كما بيناه في الموضع الذي أحلناك عليه.
(2) هذا هو الشاهد رقم (89) وقد سبق شرحه قريبا، فانظره في (ص 332)
والاستشهاد به ههنا لقوله " أوشكوا " حيث استعمل الفعل الماضي، وفيه رد على الاصمعي وأبي علي حيث أنكرا استعمال الفعل الماضي وصيغة المضارع المبني للمجهول، على ما حكاه ابن مالك عنهما، وقد بينا ذلك في الموضع الذي أحلناك عليه.
93 - هذا البيت لابي سهم الهذلي، وبعده قوله: = (*)
(1/338)

وقد يشعر تخصيصه " أوشك " بالذكر أنه لم يستعمل اسم الفاعل من " كاد "، وليس كذلك، بل قد ورد استعماله في الشعر، كقوله: 94 - أموت أسى يوم الرجام، وإنني يقينا لرهن بالذي أنا كائد وقد ذكر المصنف هذا في غير هذا الكتاب..
__________
= وتوحش في الارض بعد الكلام ولا تبصر العين فيه كلابا اللغة: " خلاف الانيس " أي بعد المؤانس " وحوشا " قفرا خاليا، وقد ضبطه بعض العلماء بضم الواو على أنه جمع وحش، والوحش: صفة مشبهة، تقول: أرض وحش، تريد خالية، وضبطه آخرون بفتح الواو على أنه صفة كصبور " يبابا " قال ابن منظور في اللسان: " اليباب عند العرب: الذي ليس فيه أحد، قال عمر بن أبي ربيعة: ما على الرسم بالبليين لو بين رجع الجواب أو لو أجابا ؟ فإلى قصر ذي العشيرة فالصالف أمسى من الانيس يبابا معناه خاليا لا أحد به " اه.
الاعراب: " فموشكة " خبر مقدم وهو اسم فاعل من أوشك، ويحتاج إلى اسم وخبر، واسمه ضمير مستتر فيه " أرضنا " أرض: مبتدأ مؤخر، وأرض مضاف والضمير مضاف إليه " أن " مصدرية " تعود " فعل مضارع منصوب بأن، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى أرض " خلاف " منصوب على الظرفية،
وناصبه " تعود " وخلاف مضاف، و " الانيس " مضاف إليه " وحوشا " حال من الضمير المستتر في تعود، وقوله " يبابا " حال ثانية، وقيل: تأكيد لانه بمعناه، وقيل: معطوف عليه بحرف عطف مقدر، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر موشك.
الشاهد فيه: قوله " فموشكة " حيث استعمل اسم الفاعل من أوشك، ومثله قول كثير بن عبد الرحمن الشهير بكثير عزة: فإنك موشك ألا تراها وتعدو دون غاضرة العوادي 94 - هذا البيت لكثير بن عبد الرحمن المعروف بكثير عزة، وهو من قصيدة له = (*)
(1/339)

وأفهم كلام المصنف أن غير " كاد، وأوشك " من أفعال هذا الباب لم يرد منه المضارع ولا اسم الفاعل وحكى غيره خلاف ذلك، فحكى صاحب.
__________
= طويلة يقولها في رثاء عبد العزيز بن مروان أبي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الخليفة الاموي العادل، وقبل بيت الشاهد قوله: وكدت وقد سالت من العين عبرة سها عاند منها وأسبل عاند قذيت بها والعين سهو دموعها وعوارها في بان الجفن زائد فإن تركت للكحل لم يترك البكى وتشرى إذا ما حثحثتها المراود اللغة: " سها عاند " يقال: عرق عاند، إذا سال فلم يكد يرقأ، وسئل ابن عباس عن المستحاضة فقال: إنه عرق عاند " قذيت بها " أصابني القذى بسببها " سهو دموعها " ساكنة لينة " عوارها " قذاها " تشرى " تلح " حثحثتها " حركتها " المراود " جمع مرود بزنة منبر وهو ما يحمل به الكحل إلى العين " أسى " حزنا وشدة لوعة " الرجام " بالراء المهملة المكسورة والجيم موضع بعينه، ويصحفه جماعة بالزاي والحاء المهملة.
الاعراب: " أموت " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره
أنا " أسى " مفعول لاجله، ويجوز أن يكون حالا بتقدير " آسيا " أي حزينا " يوم " منصوب على الظرفية الزمانية، وناصبه " أموت " ويوم مضاف و " الرجام " مضاف إليه " وإنني " إن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمها " يقينا " مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أوقن يقينا " لرهن " اللام مؤكدة، ورهن: خبر إن " بالذي " جار ومجرور متعلق برهن " أنا " مبتدأ " كائد " خبره، والجملة لا محل لها صلة الموصول، والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب بفعل محذوف تقع جملته في محل نصب خبرا لكائد من حيث نقصانه، واسمه ضمير مستتر فيه، وتقدير الكلام: بالذي أنا كائد ألقاه، مثلا.
الشاهد فيه: قوله " كائد " بهمزة بعد ألف فاعل منقلبة عن واو حيث استعمل الشاعر اسم الفاعل من " كاد " هذا توجيه كلام الشارح العلامة، وقد تبع فيه قوما من النحاة، وقيل: إن الصواب في الرواية " كابد " بالباء الموحدة من المكابدة، فلا شاهد فيه.
(*)
(1/340)

الانصاف استعمال المضارع واسم الفاعل من " عسى " قالوا: عسى يعسي فهو عاس، وحكى الجوهري مضارع " طفق "، وحكى الكسائي مضارع " جعل ".
* * * بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد غنى ب " أن يفعل " عن ثان فقد (1) اختصت " عسى، واخلولق، وأوشك " بأنها تستعمل ناقصة وتامة.
فأما الناقصة فقد سبق ذكرها.
وأما التامة فهي المسندة إلى " أن " والفعل، نحو " عسى أن يقوم، واخلولق أن يأتي، وأوشك أن يفعل " ف " أن " والفعل في موضع رفع فاعل " عسى،
واخلولق، وأوشك " واستغنت به عن المنصوب الذي هو خبرها.
وهذا إذا لم يل الفعل الذي بعد " أن " اسم ظاهر يصح رفعه به، فإن وليه نحو " عسى أن يقوم زيد " فذهب الاستاذ أبو علي الشلوبين إلى أنه يجب أن يكون الظاهر مرفوعا بالفعل الذي بعد " أن " ف " أن " وما بعدها فاعل لعسى، وهي تامة، ولا خبر لها، وذهب المبرد والسيرافي والفارسي إلى تجويز
__________
(1) " بعد " ظرف متعلق بقوله يرد الآتي، وبعد مضاف، و " عسى " قصد لفظه مضاف إليه " اخلولق، أوشك " معطوفان على " عسى " بعاطف مقدر " قد " حرف تحقيق " يرد " فعل مضارع " غنى " فاعل يرد " بأن يفعل " جار ومجرور متعلق بقوله " غنى " ومثله قوله " عن ثان " وقوله " فقد " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ثان، والجملة من فقد ونائب فاعله في محل جر صفة لثان.
(*)
(1/341)

ما ذكره الشلوبين وتجويز وجه آخر، وهو: أن يكون ما بعد الفعل الذي بعد " أن " مرفوعا بعسى اسما لها، و " أن " والفعل في موضع نصب بعسى، وتقدم على الاسم، والفعل الذي بعد " أن " فاعله ضمير يعود على فاعل " عسى " وجاز عوده عليه - وإن تأخر - لانه مقدم في النية.
وتظهر فائدة هذا الخلاف في التثنية والجمع والتأنيث، فتقول - على مذهب غير الشلوبين - " عسى أن يقوما الزيدان، وعسى أن يقوموا الزيدون، وعسى أن يقمن الهندات " فتأتي بضمير في الفعل، لان الظاهر ليس مرفوعا به، بل هو مرفوع ب " عسى " وعلى رأي الشلوبين يجب أن تقول: " عسى أن يقوم الزيدان، وعسى أن يقوم الزيدون، وعسى أن تقوم الهندات " فلا تأتي في الفعل بضمير، لانه رفع الظاهر الذي بعده.
* * * وجردن عسى، أو ارفع مضمرا بها، إذا اسم قبلها قد ذكرا (1).
__________
(1) " وجردن " جرد: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " عسى " قصد لفظه: مفعول به لجرد " أو " حرف عطف معناه التخيير " ارفع " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " مضمرا " مفعول به لارفع " بها " جار ومجرور متعلق بارفع " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان، تضمن معنى الشرط " اسم " نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، أي: إذا ذكر اسم " قبلها " قبل: ظرف متعلق بذكر الآتي، وقبل مضاف وها: مضاف إليه " قد " حرف دال على التحقيق مبني على السكون لا محل له من الاعراب " ذكرا " فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم، والجملة من ذكر ونائب فاعله المستتر فيه لا محل لها تفسيرية.
(*)
(1/342)

اختصت " عسى " من بين سائر أفعال هذا الباب بأنها إذا تقدم عليها اسم جاز أن يضمر فيها ضمير يعود على الاسم السابق، وهذه لغة تميم، وجاز تجريدها عن الضمير، وهذه لغة الحجاز، وذلك نحو " زيد عسى أن يقوم " فعلى لغة تميم يكون في " عسى " ضمير مستتر يعود على " زيد " و " أن يقوم " في موضع نصب بعسى، وعلى لغة الحجاز لا ضمير في " عسى " و " أن يقوم " في موضع رفع بعسى.
وتظهر فائدة ذلك في التثنية والجمع والتأنيث، فتقول - على لغة - تميم: " هند عست أن تقوم، والزيدان عسيا أن يقوما، والزيدون عسوا أن يقوموا، والهندان عستا أن تقوما، والهندات عسين أن يقمن " وتقول - على لغة
الحجاز: " هند عسى أن تقوم، والزيدان عسى أن يقوما، والزيدون عسى أن يقوموا، والهندان عسى أن تقوما، والهندات عسى أن يقمن ".
وأما غير " عسى " من أفعال هذا الباب فيجب الاضمار فيه، فتقول: " الزيدان جعلا ينظمان " ولا يجوز ترك الاضمار، فلا تقول: " الزيدان جعل ينظمان " كما تقول: " الزيدان عسى أن يقوما ".
* * * والفتح والكسر أجز في السين من نحو " عسيت "، وانتقا الفتح زكن (1).
__________
(1) " والفتح " مفعول به مقدم على عامله وهو قوله " أجز " الآتي " والكسر " معطوف على الفتح " أجز " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " في السين " جار ومجرور متعلق بأجز " من نحو " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من السين، ونحو مضاف وقوله " عسيت " قصد لفظه: مضاف إليه " وانتقا " الواو = (*)
(1/343)

إذا اتصل ب " عسى " ضمير موضوع للرفع، وهو لمتكلم، نحو " عسيت " أو لمخاطب، نحو " عسيت، وعسيت، وعسيتما، وعسيتم، وعسيتن " أو لغائبات، نحو " عسين " جاز كسر سينها وفتحها، والفتح أشهر، وقرأ نافع: (فهل عسيتم إن توليتم) - بكسر السين - وقرأ الباقون بفتحها.
* * *.
__________
= عاطفة، انتقا: مبتدأ: وانتقا مضاف و " الفتح " مضاف إليه " زكن " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى انتقا الفتح، والجملة من زكن ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
(*)
(1/344)

إن وأخواتها لان، أن، ليت، لكن، لعل، كأن عكس ما لكان من عمل (1) كإن زيدا عالم بأني كف ء، ولكن ابنه ذو ضغن (2) هذا هو القسم الثاني من الحروف الناسخة للابتداء، وهي ستة أحرف (3):.
__________
(1) " لان " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " أن، ليت، لكن، لعل، كأن " كلهن معطوف على المجرور بعاطف مقدر " عكس " مبتدأ مؤخر، وعكس مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " لكان " جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقع جملته صلة الموصول: أي عكس الذي استقر لكان " من عمل " جار ومجرور متعلق بما تعلق به الاول.
(2) " كإن " الكاف جارة لقول محذوف كما سبق غير مرة، إن: حرف توكيد ونصب " زيدا " اسمها " عالم " خبرها " بأني " الباء جارة، وأن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمها " كف ء " خبرها، وأن ومعمولاها في تأويل مصدر مجرور بالباء، والجار والمجرور متعلق بقوله " عالم " السابق " ولكن " حرف استدراك ونصب " ابنه " ابن: اسم لكن، وابن مضاف والهاء مضاف إليه " ذو " خر لكن، وذو مضاف و " ضغن " مضاف إليه.
(3) قد عرفت مما قدمنا لك ذكره في أول الكلام على أفعال المقاربة (ص 322) أن سيبويه رحمه الله يرى أن " عسى " قد تكون حرفا دالا على الترجي مثل لعل وأنها على مذهبه تكون عاملة عمل إن، فتنصب الاسم، وترفع الخبر، وذلك في حالة واحدة، وهي أن يتصل بها ضمير نصب، نحو قول الشاعر: * فقلت عساها نار كأس وعلها * وقد تقدم إنشاده كاملا في الموضع الذي أحلناك عليه، ومثله قول الراجز: تقول بنتي: قد أنى أناكا، يا أبتا علك أو عساكا
ومثله قول عمران بن حطان الخارجي: = (*)
(1/345)

إن، وأن، وكأن، ولكن، وليت، ولعل، وعدها سيبويه خمسة، فأسقط " أن " المفتوحة لان أصلها " إن " المكسورة، كما سيأتي.
ومعنى " إن، وأن " التوكيد، ومعنى " كأن " التشبيه، و " لكن " للاستدراك، وليت " للتمني، و " لعل " للترجي والاشفاق، والفرق بين الترجي والتمني أن التمني يكون في الممكن، نحو: " ليت زيدا قائم " وفي غير الممكن، نحو: " ليت الشباب يعود يوما " (1)، وأن الترجي لا يكون إلا في الممكن، فلا تقول: " لعل الشباب يعود " والفرق بين الترجي والاشفاق أن الترجي يكون في المحبوب، نحو: " لعل الله يرحمنا " والاشفاق في المكروه نحو: " لعل العدو يقدم ".
وهذه الحروف تعمل عكس عمل " كان " فتنصب الاسم، وترفع الخبر (2).
__________
= ولي نفس أقول لها إذا ما تنازعني: لعلي أو عساني ولهذا تجد ابن هشام عد هذه الحروف سبعة: الستة التي عدها الناظم والشارح، والسابع عسى، عند سيبويه وجماعة من النحاة، فاعرف ذلك.
(1) قد وردت هذه الجملة في بيت لابي العتاهية، وهو قوله: ألا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب (2) ههنا أمران يجب أن تتنبه لهما: الاول: أن هذه الحروف لا تدخل على جملة يجب فيها حذف المبتدأ، كما لا تدخل على مبتدأ لا يخرج عن الابتدائية، مثل " ما " التعجبية، كما لا تدخل على مبتدأ يجب له التصدير - أي الوقوع في صدر الجملة كاسم الاستفهام، ويستثنى من هذا الاخير ضمير الشأن، فإنه مما يجب تصديره، وقد دخلت عليه إن في قول الاخطل التغلبي:
إن من يدخل الكنيسة يوما يلق فيها جآذرا وظباء فإن: حرف توكيد ونصب، واسمها ضمير شأن محذوف، ومن: اسم شرط مبتدأ وخبره جملة الشرط وجوابه أو إحداهما، وجملة المبتدأ وخبره في محل رفع خبر إن، ولا يجوز أن تجعل اسم الشرط اسما لان، لكونه مما يجب له التصدير، وقد حمل على = (*)
(1/346)

.
__________
= ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون " فإن: حرف توكيد ونصب، واسمها ضمير شأن محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والمصورون: مبتدأ مؤخر، وجملة المبتدأ وخبره في محل رفع خبر إن، وهذا هو الراجح في إعراب هذا الحديث على هذه الرواية، ومنهم من جعل من في قوله " من أشد " زائدة على مذهب الكسائي الذي يجيز زيادة من الجارة في الايجاب، ويجعل " أشد " اسم إن.
و " المصورون " خبرها وهو مبني على رأي ضعيف، ولا تدخل هذه الحروف على جملة يكون الخبر فيها طلبيا أو إنشائيا، فأما قوله تعالى (إنهم ساء ما كانوا يعملون) وقوله سبحانه (إن الله نعما يعظكم به) وقول الشاعر: إن الذين قتلتم أمس سيدهم لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما فإنها على تقدير قول محذوف يقع خبرا لان، وتقع هذه الجمل الانشائية معمولة له، فيكون الكلام من باب حذف العامل وإبقاء المعمول، والتقدير: إن الذين قتلتم سيدهم مقول في شأنهم لا تحسبوا إلخ، وكذلك الباقي، هكذا قالوا، وهو عندي تكلف والتزام ما لا لزوم له.
ويستثنى من ذلك عند هم أن المفتوحة، فإنها انفردت بجواز وقوع خبرها جملة إنشائية، وهو مقيس فيما إذا خففت نحو قوله تعالى (وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم) وقوله جل شأنه: (والخامسة أن غضب الله عليها).
الامر الثاني: أن جماعة من العلماء - منهم ابن سيده - قد حكوا أن قوما من
العرب ينصبون بإن وأخواتها الاسم والخبر جميعا، واستشهدوا على ذلك بقول (وينسب إلى عمر بن أبي ربيعة، ولم أجده في ديوانه): إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن خطاك خفافا، إن حراسنا أسدا ويقول محمد بن ذؤيب العماني الفقيمي الراجز يصف فرسا: كأن أذنيه إذا تشوفا قادمة أو قلما محرفا ويقول ذي الرمة: كأن جلودهن مموهات على أبشارها ذهبا زلالا ويقول الراجز: = (*)
(1/347)

نحو: " إن زيدا قائم "، فهي عاملة في الجزءين، وهذا مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أنها لا عمل لها في الخبر، وإنما هو باق على رفعه الذي كان له قبل دخول " إن " وهو خبر المبتدأ.
* * * وراع ذا الترتيب، إلا في الذي كليت فيها - أو هنا - غير البذي (1) أي: يلزم تقديم الاسم في هذا الباب وتأخير الخبر، إلا إذا كان الخبر ظرفا، أو جارا ومجرورا، فإنه لا يلزم تأخيره، وتحت هذا قسمان: أحدهما: أنه يجوز تقديمه وتأخيره، وذلك نحو: " ليت فيها غير البذي ".
__________
= * يا ليت أيام الصبا رواجعا * وزعم ابن سلام أن لغة جماعة من تميم - هم قوم رؤبة بن العجاج - نصب الجزأين بإن وأخواتها، ونسب ذلك أبو حنيفة الدينوري إلى تميم عامة.
وجمهرة النحاة لا يسلمون ذلك كله، وعندهم أن المنصوب الثاني منصوب بعامل محذوف، وذلك العامل المحذوف هو خبر إن، وكأنه قال: إن حراسنا يشبهو ن أسدا،
ياليت أيام الصبا تكون رواجع.
(1) " وراع " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ذا " اسم إشارة مفعول به لراع " الترتيب " يدل، أو عطف بيان، أو نعت لاسم الاشارة " إلا " أداة استثناء " في الذي " جار ومجرور يقع موقع المستثنى من محذوف.
والتقدير: راع هذا الترتيب في كل تركيب إلا في التركيب الذي إلخ - " كليت " الكاف جارة لقول محذوف، وهي ومجرورها متعلقان بفعل محذوف تقع جملته صلة الذي وليت: حرف تمن ونصب " فيها " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليت مقدم على اسمها " أو " عاطفة، معناه التخيير " هنا " ظرف مكان معطوف على قوله " فيها " " غير " اسم " ليت " مؤخر، وغير مضاف، و " البذي " مضاف إليه، والمراد بالتركيب الذي كليت فيها - إلخ: كل تركيب وقع فيه خبر إن ظرفا أو جارا ومجرورا (*)
(1/348)