حكم الفاعل التأخر عن رافعه - وهو الفعل أو شبهه - نحو " قام الزيدان، وزيد قائم غلاماه، وقام زيد " ولا يجوز تقديمه على رافعه، فلا تقول: " الزيدان قام " ولا " زيد غلاماه قائم "، ولا " زيد قام " على
أن يكون " زيد " فاعلا مقدما، بل على أن يكون مبتدأ، والفعل بعده رافع لضمير مستتر، والتقدير " زيد قام هو " وهذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون فأجازوا التقديم في ذلك كله (2)...
__________
= بقوله: " حكم الفاعل التأخر عن رافعه - إلخ " وثاني الحكمين أنه لا يجوز حذف الفاعل، بل إما أن يكون ملفوظا به، وإما أن يكون ضميرا مستترا، وهذا هو الذي ذكره الشارح بقوله: " وأشار بقوله فإن ظهر - إلخ، إلى أن الفعل وشبهه لابد له من مرفوع " وليس هذا الحكم مطردا، بل له استثناء سنذكره فيما بعد (اقرأ الهامشة 1 ص 466).
(2) استدل الكوفيون على جواز تقديم الفاعل على رافعه، بوروده عن العرب في نحو قول الزباء: ما للجمال مشيها وئيدا أجندلا يحملن أم حديدا في رواية من روى " مشيها " مرفوعا، قالوا: ما: اسم استفهام مبتدأ، وللجمال: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، مشى: فاعل تقدم على عامله وهو وئيدا الآتي ومشى مضاف والضمير العائد إلى الجمال مضاف إليه، ووئيدا: حال من الجمال منصوب بالفتحة الظاهرة، وتقدير الكلام: أي شئ ثابت للجمال حال كونها وئيدا مشيها.
واستدل البصريون على أنه لا يجوز تقديم الفاعل على فعله بوجهين، أحدهما: أن الفعل وفاعله كجزأين لكلمة واحدة متقدم أحدهما على الآخر وضعا، فكما لا يجوز تقديم عجز الكلمة على صدرها لا يجوز تقديم الفاعل على فعله، وثانيهما: أن تقديم الفاعل يوقع في اللبس بينه وبين المبتدأ، وذلك أنك إذا قلت " زيد قام " وكان تقديم الفاعل جائزا لم يدر السامع أأردت الابتداء بزيد والاخبار عنه بجملة قام وفاعله المستتر، أم أردت إسناد قام المذكور إلى زيد على أنه فاعل، وقام حينئذ خال من الضمير ؟ ولا = (30 - شرح ابن عقيل 1)
(1/465)

وتظهر فائدة الخلاف في غير الصورة الاخيرة وهي صورة الافراد نحو " زيد قام "، فتقول على مذهب الكوفيين: " الزيدان قام، والزيدون قام " وعلى مذهب البصريين يجب أن تقول: " الزيدان قاما، والزيدون قاموا "، فتأتى بألف وواو في الفعل، ويكونان هما الفاعلين، وهذا معنى قوله: " وبعد فعل فاعل ".
وأشار بقوله: " فإن ظهر - إلخ " إلى أن الفعل وشبهه لا بد له من مرفوع (1)، فإن ظهر فلا إضمار، نحو " قام زيد " وإن لم يظهر فهو ضمير، نحو " زيد قام " أي: هو.
* * *.
__________
= شك أن بين الحالتين فرقا، فإن جملة الفعل وفاعله تدل على حدوث القيام بعد أن لم يكن، وجملة المبتدأ وخبره الفعلي تدل على الثبوت وعلى تأكيد إسناد القيام لزيد، ولا يجوز إغفال هذا الفرق بادعاء أنه مما لا يتعلق به المقصود من إفادة إسناد القيام لزيد على جهة وقوعه منه، وأنه مما يتعلق به غرض أهل البلاغة الذين يبحثون عن معان للتراكيب غير المعاني الاولية التي تدل عليها الالفاظ مع قطع النظر عن التقديم والتأخير ونحوهما.
وأجابوا عما استدل به الكوفيون بأن البيت يحتمل غير ما ذكروا من وجوه الاعراب، إذا يجوز أن يكون " مشى " مبتدأ، والضمير مضاف إليه، و " وئيدا " حال من فاعل فعل محذوف، والتقدير: مشيها يظهر وئيدا، وجملة الفعل المحذوف وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، ومتى كان البيت محتملا لم يصلح دليلا.
(1) بعض الافعال لا يحتاج إلى فاعل، فكان على الشارح أن يستثنيه من هذا العموم، ونحن نذكر لك ثلاثة مواضع من هذه القبيل: (الاول) الفعل المؤكد في نحو قول الشاعر:
* أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس * = (*)
(1/466)

وجرد الفعل إذا ما أسندا لاثنين أو جمع ك " فاز الشهدا " (1) وقد يقال: سعدا، وسعدوا، والفعل للظاهر - بعد - مسند (2) مذهب جمهور العرب أنه إذا أسند الفعل إلى ظاهر - مثنى، أو مجموع - وجب تجريده من علامة تدل على التثنية أو الجمع، فيكون كحاله إذا أسند إلى مفرد، فتقول: " قام الزيدان، وقام الزيدون، وقامت الهندات "، كما تقول: " قام زيد " ولا تقول على مذهب هؤلاء: " قاما الزيدان "،.
__________
(الثاني) " كان " الزائدة في نحو قول الشاعر، وقد أنشدناه مع نظائره في باب كان وأخواتها عند الكلام على مواضع زيادتها.
لله در أنو شروان من رجل ما كان أعرفه بالدون والسفل بناء على الراجح عند المحققين من أن كان الزائدة لا فاعل لها.
(الثالث) الفعل المكفوف بما، نحو قلما، وطالما، وكثر ما، بناء على ما ذهب إليه سيبويه.
ومن العلماء من يزعم أن " ما " في نحو " طالما نهيتك " مصدرية سابكة لما بعدها بمصدر هو فاعل طال، والتقدير: طال نهيي إياك.
(1) " وجرد " الواو عاطفة، جرد: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " الفعل " مفعول به لجرد " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " ما " زائدة " أسندا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل، والجملة من أسند ونائب فاعله في محل جر بإضافة " إذا " إليها " لاثنين " جار ومجرور متعلق بأسند " أو جمع " معطوف على اثنين " كفاز الشهدا " الكاف جارة لقول محذوف، وجملة الفعل والفاعل في محل نصب بذلك
المجرور المحذوف، وأصل الكلام: وذلك كائن كقولك فاز الشهداء.
(2) " وقد " حرف تقليل " يقال " فعل مضارع مبني للمجهول " سعدا وسعدوا " قصد لفظهما: نائب عن الفاعل ومعطوف عليه " والفعل " الواو للحال، والفعل: مبتدأ " للظاهر، بعد " متعلقان بمسند الآتي " مسند " خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب حال.
(*)
(1/467)

ولا " قاموا الزيدون "، ولا " قمن الهندات " فتأتي بعلامة في الفعل الرافع للظاهر، على أن يكون ما بعد الفعل مرفوعا به، وما اتصل بالفعل - من الالف، والواو، والنون - حروف تدل على تثنية الفاعل أو جمعه، بل على أن يكون الاسم الظاهر مبتدأ مؤخرا، والفعل المتقدم وما اتصل به اسما في موضع رفع به، والجملة في موضع رفع خبرا عن الاسم المتأخر.
ويحتمل وجها آخر، وهو أن يكون ما اتصل بالفعل مرفوعا به كما تقدم، وما بعده بدل مما اتصل بالفعل من الاسماء المضمرة - أعني الالف، والواو، والنون - ومذهب طائفة من العرب - وهم بنو الحارث بن كعب، كما نقل الصفار في شرح الكتاب أن الفعل إذا أسند إلى ظاهر - مثنى، أو مجموع - أتي فيه بعلامة تدل على التثنية أو الجمع (1)، فتقول: " قاما الزيدان، وقاموا الزيدون، وقمن الهندات " فتكون الالف والواو والنون حروفا تدل على التثنية والجمع، كما كانت التاء في " قامت هند " حرفا تدل على التأنيث عند جميع العرب (2)، والاسم الذي بعد الفعل المذكور مرفوع به، كما ارتفعت " هند " ب " قامت "، ومن ذلك قوله:.
__________
(1) وليس الاتيان بعلامة التثنية إذا كان الفاعل مثنى أو بعلامة الجمع إذا كان الفاعل
مجموعا واجبا عند هؤلاء، بل إنهم ربما جاءوا بالعلامة، وربما تركوها.
(2) الفرق بين علامة التأنيث وعلامة التثنية والجمع من ثلاثة أوجه: الاول: أن إلحاق علامة التثنية والجمع لغة لجماعة من العرب بأعيانهم - يقال: هم طيئ، ويقال: هم أزدشنوءة - وأما إلحاق تاء التأنيث فلغة جميع العرب.
الثاني: أن إلحاق علامة التثنية والجمع عند من يلحقها جائز في جميع الاحوال، ولا يكون واجبا أصلا، فأما إلحاق علامة التأنيث فيكون واجبا إذا كان الفاعل = (*)
(1/468)

142 تولى قتال المارقين بنفسه وقد أسلماه مبعد وحميم.
__________
= ضميرا متصلا لمؤنث مطلقا، وإذا كان الفاعل اسما ظاهرا حقيقي التأنيث، على ما سيأتي بيانه وتفصيله في هذا الباب.
الثالث: أن احتياج الفعل إلى علامة التأنيث أقوى من احتياجه إلى علامة التثنية والجمع، لان الفاعل قد يكون مؤنثا بدون علامة ويكون الاسم مع هذا مشتركا بين المذكر والمؤنث كزيد وهند، فقد سمى بكل من زيد وهند مذكر وسمى بكل منهما مؤنث، فإذا ذكر الفعل بدون علامة التأنيث لم يعلم أمؤنث فاعله أم مذكر، فأما المثنى والجمع فإنه لا يمكن فيهما احتمال المفرد.
142 - البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات، يرثي مصعب بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما، وكان عبيد الله بن قيس هذا من شيعة الزبيريين، وكان مصعب قد خرج على الخلافة الاموية مع أخيه عبد الله بن الزبير، وعبيد الله بن قيس الرقيات هو الذي يقول: كيف نومي على الفراش ولما تشمل الشام غارة شعواء ؟ تذهل الشيخ عن بنيه، وتبدي عن براها العقيلة العذراء ولما قتل مصعب بن الزبير قال كلمة يرثيه بها، منها بيت الشاهد، وأول رثائها قوله:
لقد أورث المصرين حزنا وذلة قتيل بدير الجاثليق مقيم اللغة: " المارقين " الخارجين عن الدين كما يخرج السهم من الرمية " مبعد " أراد به الاجنبي " وحميم " الصديق الذي يهتم لامر صديقه " أسلماه " خذلاه، ولم يعيناه.
الاعراب: " تولى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على مصعب " قتال " مفعول به لتولى، وقتال مضاف، و " المارقين " مضاف إليه " بنفسه " جار ومجرور متعلق بتولى، أو الباء زائدة، ونفس: تأكيد للضمير المستتر في تولى، ونفس مضاف وضمير الغائب العائد إلى مصعب مضاف إليه " وقد " الواو للحال، قد: حرف تحقيق " أسلماه " أسلم: فعل ماض، والالف حرف دال على التثنية، والهاء ضمير الغائب العائد إلى مصعب مفعول به لاسلم " مبعد " فاعل أسلم " وحميم " الواو حرف عطف، حميم: معطوف على مبعد.
=
(1/469)

وقوله: 143 - يلومونني في اشتراء النخيل أهلي، فكلهم يعذل.
__________
= الشاهد فيه: قوله " وقد أسلماه مبعد وحميم " حيث وصل بالفعل ألف التثنية مع أن الفاعل اسم ظاهر.
وكان القياس على الفصحى أن يقول " وقد أسلمه مبعد وحميم ".
وسيأتي لهذا الشاهد نظائر في شرح الشاهدين الآتيين رقم 143 و 144.
143 - هذا البيت من الشواهد التي لم يعينوا قائلها، وبعده قوله: وأهل الذي باع يلحونه كما لحي البائع الاول اللغة: " يلومونني " تقول: لام فلان فلانا على كذا يلومه لوما - بوزان قال يقول قولا - ولومة، وملامة، وإذا أردت المبالغة قلت: لومه - بتشديد الواو " يعذل " العذل - بفتح فسكون - هو اللوم، وفعله من باب ضرب " يلحونه " تقول: لحا
فلان فلانا يلحوه - مثل دعاه يدعوه - ولحاه يلحاه - مثل نهاه ينهاه - إذا لامه وعذله.
الاعراب: " يلومونني " فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو حرف دال على الجماعة، والنون للوقاية، والياء مفعول به ليلوم " في اشتراء " جار ومجرور متعلق بيلوم، واشتراء مضاف، و " النخيل " مضاف إليه " أهلي " أهل: فاعل يلوم، وأهل مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " فكلهم " كل: مبتدأ، وكل مضاف، وهم: مضاف إليه " يعذل " فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كل الواقع مبتدأ، والجملة من يعذل وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
الشاهد فيه: قوله " يلومونني.
أهلي " حيث وصل واو الجماعة بالفعل، مع أن الفاعل اسم ظاهر مذكور بعد الفعل، وهذه لغة طيئ، وقيل: لغة أزدشنوءة.
وبذكر النحاة مع هذا الشاهد والذي قبله قول الشاعر (وهو أبو فراس الحمداني): نتج الربيع محاسنا ألقحنها غر السحائب ومثله قول " تميم " وهو من شعراء اليتيمة: إلى أن رأيت النجم وهو مغرب وأقبلن رايات الصباح من الشرق فقد وصل كل منهما نون النسوة بالفعل، مع أن الفاعل اسم ظاهر مذكور بعده، = (*)
(1/470)

وقوله: 144 - رأين الغواني الشيب لاح بعارضي فأعرضن عني بالخدود النواضر.
__________
= وهو قوله " غر السحائب " في الاول، و " رايات الصباح " في الثاني، وكذلك قول عمرو بن ملقط: ألفيتا عيناك عند القفا أولى فأولى لك ذا واقيه
فقد وصل ألف الاثنين بالفعل في قوله " ألفيتا " مع كونه مسندا إلى المثنى الذي هو قوله " عيناك " وكذلك قول عروة بن الورد: وأحقرهم وأهونهم عليه وإن كانا له نسب وخير فقد ألحق ألف الاثنين بالفعل في قوله " كانا " مع كونه مسندا إلى اثنين قد عطف أحدهما على الآخر، وذلك قوله " نسب وخير " ومثله قول الاخر: نسيا حاتم وأوس لدن فاضت عطاياك يا ابن عبد العزيز ومحل الاستشهاد في قوله " نسيا حاتم وأوس " وهذا مع ما أنشدناه من بيت عمرو بن ملقط يدل على أن شأن نائب الفاعل في هذه المسألة كشأن الفاعل، وسيأتي لهذه المسألة شواهد أخرى في شرح الشاهد 144 الآتي.
144 - البيت لابي عبد الرحمن محمد بن عبد الله العتبي، من ولد عتبة بن أبي سفيان.
اللغة: " الغواني " جمع غانية، وهي هنا التي استغنت بجمالها عن الزينة " لاح " ظهر " النواضر " الجميلة، مأخوذ من النضرة، وهي الحسن والرواء، والنواضر: جمع ناضر.
الاعراب: " رأين " رأى: فعل ماض، وهي هنا بصرية، والنون حرف دال على جماعة الاناث " الغواني " فاعل رأى " الشيب " مفعول به لرأى " لاح " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الشيب " بعارضي " الباء حرف جر، وعارض: مجرور بالباء، والجار والمجرور متعلق بلاح، وعارض مضاف، = (*)
(1/471)

ف " مبعد وحميم " مرفوعان بقوله " أسلماه " والالف في " أسلماه " حرف يدل على كون الفاعل اثنين، وكذلك " أهلي " مرفوع بقوله " يلومونني " والواو حرف يدل على الجمع، و " الغواني " مرفوع ب " رأين " والنون
حرف يدل على جمع المؤنث، وإلى هذه اللغة أشار المصنف بقوله: " وقد يقال سعدا وسعدوا إلى آخر البيت ".
ومعناه أنه قد يؤتى في الفعل المسند إلى الظاهر بعلامة تدل على التثنية، أو الجمع، فأشعر قوله " وقد يقال " بأن ذلك قليل، والامر كذلك.
وإنما قال: " والفعل للظاهر بعد مسند " لينبه على أن مثل هذا التركيب.
__________
= وياء المتكلم مضاف إليه " فأعرضن " فعل وفاعل " عني، بالخدود " جاران ومجروران متعلقان بأعرض " النواضر " صفة للخدود.
الشاهد فيه: قوله " رأين الغواني " فإن الشاعر قد وصل الفعل بنون النسوة في قوله " رأين " مع ذكر الفاعل الظاهر بعده، وهو قوله " الغواني " كما أوضحناه في الاعراب، ومثله قول الآخر: فأدركنه خالاته فخذلنه ألا إن عرق السوء لا بد مدرك ومن شواهد المسألة الشاهد رقم 99 الذي سبق في باب إن وأخواتها وقول الشاعر: نصروك قومي، فاعتززت بنصرهم ولو انهم خذلوك كنت ذليلا فقد ألحق علامة جمع الذكور - وهي الواو - بالفعل في قوله " نصروك " مع أن هذا الفعل مسند إلى فاعل ظاهر بعده، وهو قوله " قومي ".
وقد ورد في الحديث كثير على هذه اللغة، فمن ذلك ما جاء في حديث وائل بن حجر " ووقعتا ركبتاه قبل أن تقعا كفاه " وقوله " يخرجن العواتق وذوات الخدود " وقوله " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار " وسنتكلم على هذا الحديث الاخير بعد هذا كلاما خاصا (انظر الهامشة 1 في ص 473)، لان ابن مالك يسمي هذه اللغة " لغة يتعاقبون فيكم الملائكة ".
(*)
(1/472)

إنما يكون قليلا إذا جعلت الفعل مسندا إلى الظاهر الذي بعده، وأما إذا جعلته
مسندا إلى المتصل به - من الالف، والواو، والنون - وجعلت الظاهر مبتدأ، أو بدلا من الضمير، فلا يكون ذلك قليلا، وهذه اللغة القليلة هي التي يعبر عنها النحويون بلغة " أكلوني البراغيث "، ويعبر عنها المصنف في كتبه بلغة " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار " (1)، ف " البراغيث " فاعل " أكلوني " و " ملائكة " فاعل " يتعاقبون " هكذا زعم المصنف.
* * * ويرفع الفاعل فعل أضمرا كمثل " زيد " في جواب " من قرا " ؟ (2).
__________
(1) قد استشهد ابن مالك على هذه اللغة بهذا الحديث، وذلك على اعتبار أن الواو في " يتعاقبون " علامة جمع الذكور، و " ملائكة " وهو الفاعل مذكور بعد الفعل المتصل بالواو.
وقد تكلم على هذا الاستدلال قوم، من المؤلفين، وقالوا: إن هذه الجملة قطعة من حديث مطول، وقد روى هذه القطعة مالك رضي الله عنه في الموطأ، وأصله " إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم: ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار " فإذا نظرت إلى الحديث المطول كانت الواو في " يتعاقبون " ليست علامة على جمع الذكور، ولكنها ضمير جماعة الذكور، وهي فاعل، وجملة الفعل وفاعله صفة لملائكة الواقع اسم إن، و " ملائكة " المرفوع بعده ليس فاعلا، ولكنه من جملة مستأنفة القصد منها تفصيل ما أجمل أولا، فهو خبر مبتدأ محذوف، ولورود هذا الكلام على هذا الاستدلال تجد الشارح يقول في آخر تقريره: " هكذا زعم المصنف " يريد أن يبرأ من تبعته، ولقائل أن يقول: إن الاستدلال بالقطعة التي رواها مالك بن أنس في الموطأ، بدون التفات إلى الحديث المطول المروى في رواية أخرى.
(2) " ويرفع " فعل مضارع " الفاعل " مفعول به ليرفع " فعل " فاعل يرفع " أضمرا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره
هو يعود إلى فعل، والجملة من أضمر ونائب فاعله في محل رفع صفة لفعل " كمثل " الكاف = (*)
(1/473)

إذا دل دليل على الفعل جاز حذفه، وإبقاء فاعله، كما إذا قيل لك: " من قرأ " ؟ فتقول: " زيد " التقدير: " قرأ زيد " وقد يحذف الفعل وجوبا، كقوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك) ف " أحد " فاعل بفعل محذوف وجوبا، والتقدير " وإن استجارك [ أحد استجارك ] "، وكذلك كل اسم مرفوع وقع بعد " إن " أو " إذا " فإنه مرفوع بفعل محذوف وجوبا، ومثال ذلك في " إذا " قوله تعالى: (إذا السماء انشقت) ف " السماء " فاعل بفعل محذوف، والتقدير " إذا انشقت السماء انشقت " وهذا مذهب جمهور النحويين (1)، وسيأتي الكلام على هذه المسألة في باب الاشتغال، إن شاء الله تعالى.
* * *.
__________
= زائدة، مثل: خبر لمبتدأ محذوف " زيد " فاعل بفعل محذوف، والتقدير: قرأ زيد " في جواب " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من زيد " من " اسم استفهام مبتدأ " قرا " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الاستفهامية الواقعة مبتدأ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.
(1) خلاصة القول في هذه المسألة أن فيها ثلاثة مذاهب: أولها: مذهب جمهور البصريين، وحاصله أن الاسم المرفوع بعد إن وإذا الشرطيتين فاعل بفعل محذوف وجوبا يفسره الفعل المذكور بعده، وهو الذي قرره الشارح.
والمذهب الثاني: مذهب جمهور النحاة الكوفيين، وحاصله أن هذا الاسم المرفوع بعد إن وإذا الشرطيتين فاعل بنفس الفعل المذكور بعده، وليس في الكلام محذوف يفسره.
المذهب الثالث: مذهب أبي الحسن الاخفش، وحاصله أن الاسم المرفوع بعد إن
وإذا الشرطيتين مبتدأ، وأن الفعل المذكور بعده مسند إلى ضمير عائد على ذلك الاسم، والجملة من ذلك الفعل وفاعله المضمر فيه في محل رفع خبر المبتدأ، فلا حذف ولا تقديم ولا تأخير.
= (*)
(1/474)

وتاء تأنيث تلي الماضي، إذا كان لانثى، ك " أبت هند الاذى " (1).
__________
= فأما سبب هذا الاختلاف فيرجع إلى أمرين: الامر الاول: هل يجوز أن تقع الجملة الاسمية بعد أدوات الشرط، فالجمهور من الكوفيين والبصريين على أنه لا يجوز ذلك، ولو وقع في الكلام ما ظاهره ذلك فهو مؤول بتقدير الفعل متصلا بالاداة، غير أن البصريين قالوا: الفعل المقدر اتصاله بالاداة، فعل محذوف يرشد إليه الفعل المذكور، وأما الكوفيون فقالوا: الفعل المقدر اتصاله بالاداة هو نفس الفعل المذكور بعد الاسم.
وذهب أبو الحسن الاخفش إلى أنه يجوز في إن وإذا خاصة من دون سائر أدوات الشرط - أن تقع بعدهما الجمل الاسمية، وعلى هذا لسنا في حاجة إلى تقدير محذوف، ولا إلى جعل الكلام على التقديم والتأخير.
والامر الثاني: هل يجوز أن يتقدم الفاعل على فعله ؟ فذهب الكوفيون إلى جواز ذلك، ولهذا جعلوا الاسم المرفوع بعد الاداتين فاعلا بذلك الفعل المتأخر، وذهب جمهور البصريين إلى أن الفاعل لا يجوز أن يتقدم على رافعه - فعلا كان هذا الرافع أو غير - فعل فلهذا اضطروا إلى تقدير فعل محذوف يفسره الفعل المذكور ليرتفع به ذلك الاسم.
وقد نسب جماعة من متأخري المؤلفين - كالعلامة الصبان - مذهب الاخفش إلى الكوفيين.
والصواب ما قدمنا ذكره.
وبعد، فانظر ما يأتي لنا تحقيقه في شرح الشاهد 157 (1) " وتاء " مبتدأ، وتاء مضاف، و " تأنيث " مضاف إليه " تلي " فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى تاء تأنيث، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " الماضي " مفعول به لتلي " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " كان " فعل ماض، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الماضي، وخبره محذوف " لانثى " جار ومجرور متعلق بخبر " كان " المحذوف، أي إذا كان مسندا لانثى " كأبت هند الاذى " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك كاتن كقولك، وما بعد الكاف فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل نصب بذلك المقول المحذوف.
(*)
(1/475)

إذا أسند الفعل الماضي إلى مؤنث لحقته تاء ساكنة تدل على كون الفاعل مؤنثا، ولا فرق في ذلك بين الحقيقي والمجازي، نحو " قامت هند، وطلعت الشمس "، لكن لها حالتان: حالة لزوم، وحالة جواز، وسيأتي الكلام على ذلك.
* * * وإنما تلزم فعل مضمر متصل، أو مفهم ذات حر (1) تلزم تاء التأنيث الساكنة الفعل الماضي في موضعين: أحدهما: أن يسند الفعل إلى ضمير مؤنث متصل، ولا فرق في ذلك بين المؤنث الحقيقي والمجازي، فتقول: " هنا قامت، والشمس طلعت "، ولا تقول: " قام " ولا " طلع " فإن كان الضمير منفصلا لم يؤت بالتاء، نحو " هند ما قام إلا هي ".
الثاني: أن يكون الفاعل ظاهرا حقيقي التأنيث، نحو " قامت هند "
وهو المراد بقوله " أو مفهم ذات حر " وأصل حر حرح، فحذفت لام الكلمة.
وفهم من كلامه أن التاء لا تلزم في غير هذين الموضعين، فلا تلزم في المؤنث.
__________
(1) " وإنما " حرف دال على الحصر " تلزم " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على تاء التأنيث " فعل " مفعول به لتلزم، وفعل مضاف، و " مضمر " مضاف إليه " متصل " نعت لمضمر " أو مفهم " معطوف على مضمر، وفاعل مفهم ضمير مستتر فيه، لانه اسم فاعل " ذات " مفعول به لمفهم، وذات مضاف، و " حر " مضاف إليه.
(*)
(1/476)

المجازي الظاهر، فتقول: " طلع الشمس، وطلعت الشمس " ولا في الجمع، على ما سيأتي تفصيله.
* * * وقد يبيح الفصل ترك التاء، في نحو " أتى القاضي بنت الواقف " (1) إذا فصل بين الفعل وفاعله المؤنث الحقيقي بغير " إلا " جاز إثبات التاء وحذفها، والاجود الاثبات، فتقول: " أتى القاضي بنت الواقف " والاجود " أتت " وتقول: " قام اليوم هند " والاجود " قامت ".
* * * والحذف مع فصل بإلا فضلا، ك " ما زكا إلا فتاة ابن العلا " (2) وإذا فصل بين الفعل والفاعل المؤنث ب " إلا " لم يجز إثبات التاء عند الجمهور، فتقول: " ما قام إلا هند، وما طلع إلا الشمس " ولا يجوز.
__________
(1) " وقد " حرف تقليل " يبيح " فعل مضارع " الفصل " فاعل يبيح " ترك " مفعول به ليبيح، وترك مضاف، و " التاء " مضاف إليه " في نحو " جار ومجرور
متعلق بيبيح " أتى " فعل ماض " القاضي " مفعول به مقدم على الفاعل " بنت " فاعل أتى مؤخر عن المفعول، وبنت مضاف، " الواقف " مضاف إليه، وجملة الفعل وفاعله ومفعوله في محل جر بإضافة نحو إليها.
(2) " والحذف " مبتدأ " مع " ظرف متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في " فضلا " الآتي، ومع مضاف، و " فصل " مضاف إليه " بإلا " جار ومجرور متعلق بفصل " فضلا " فضل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحذف، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " كما " الكاف جارة لقول محذوف، وما: نافية " زكا " فعل ماض " إلا " أداة استثناء ملغاة " فتاة " فاعل زكا، وفتاة مضاف و " ابن " مضاف إليه، وابن مضاف، و " العلا " مضاف إليه.
(*)
(1/477)

" ما قامت إلا هند "، ولا " ما طلعت إلا الشمس "، وقد جاء في الشعر كقوله: 145 - * وما بقيت إلا الضلوع الجراشع *.
__________
145 هذا عجز بيت لذي الرمة - غيلان بن عقبة - وصدره: * طوى النحز والاجراز ما في غروضها * وهذا البيت من قصيدة له طويلة، أولها قوله: أمنزلتي مي، سلام عليكما ! هل الا زمن اللائي مضين رواجع ؟ وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ثلاث الاثافي والديار البلاقع ؟ اللغة: " النحز " - بفتح فسكون - الدفع، والنخس، والسوق الشديد " والاجراز " جمع: جرز - بزنة سبب أو عنق - وهي الارض اليابسة لانبات فيها " غروضها " جمع غرض - بفتح أوله - وهو للرحل بمنزلة الحزام للسرج، والبطان للقتب، وأراد هنا ما تحته، وهو بطن الناقة وما حوله، بعلاقة المجاورة " الجراشع " جمع جرشع -
بزنة قنفذ - وهو المنتفخ.
المعنى: يصف ناقته بالكلال والضمور والهزال مما أصابها من توالي السوق، والسير في الارض الصلبة، حتى دق ما تحت غرضها، ولم يبق إلا ضلوعها المنتفخة، فكأنه يقول: أصاب هذه الناقة الضمور والهزال والطوى بسبب شيئين: أولهما استحثاثي لها على السير بدفعها وتخسها، والثاني أنها تركض في أرض يابسة صلبة ليس بها نبات، وهي مما يشق السير فيه.
الاعراب: " طوى " فعل ماض " النحز " فاعل " والاجراز " معطوف على الفاعل " ما " اسم موصول: مبني على السكون في محل نصب مفعول به لطوى " في غروضها " الجار والمجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، وغروض مضاف، وها: ضمير عائد إلى الناقة مضاف إليه " فما " نافية " بقيت " بقي: فعل ماض، والتاء للتأنيث " إلا " أداة استثناء ملغاة " الضلوع " فاعل بقيت " الجراشع " صفة للضلوع.
الشاهد فيه: قوله " فما بقيت إلا الضلوع " حيث أدخل تاء التأنيث على الفعل، = (*)
(1/478)

فقول المصنف: " إن الحذف مفضل على الاثبات " يشعر بأن الاثبات - أيضا - جائز، وليس كذلك (1)، لانه إن أراد به أنه مفضل عليه باعتبار أنه ثابت في النثر والنظم، وأن الاثبات إنما جاء في الشعر، فصحيح، وإن أراد أن الحذف أكثر من الاثبات فغير صحيح، لان الاثبات قليل جدا.
* * * والحذف قد يأتي بلا فصل، ومع ضمير ذي المجاز في شعر وقع (2).
__________
= لان فاعله مؤنث، مع كونه قد فصل بين الفعل والفاعل بإلا، وذلك - عند الجمهور - مما لا يجوز في غير الشعر.
ومثل هذا الشاهد قول الراجز: ما برئت من ريبة وذم في حربنا إلا بنات العم
(1) إن الذي ذكره الشارح تجن على الناظم، وإلزام له بمذهب معين قد لا يكون ذهب إليه في هذا الكتاب، وذلك بأن هذه المسألة خلافية بين علماء النحو، فمنهم من ذهب إلى أن لحاق تاء التأنيث وعدم إلحاقها جائزان إذا فصل بين الفعل وفاعله المؤنث بإلا، ومع جواز الامرين حذف التاء أفضل، وهذا هو الذي يصح أن يحمل عليه كلام الناظم، لانه صريح الدلالة عليه.
ومن العلماء من ذهب إلى أن حذف التاء في هذه الحالة أمر واجب لا يجوز العدول عنه إلا في ضرورة الشعر، من أجل أن الفاعل على التحقيق ليس هو الاسم الواقع بعد إلا، ولكنه اسم مذكر محذوف، وهو المستثنى منه، فإذا قلت " لم يزرني إلا هند " فإن أصل الكلام: لم يزرني أحد إلا هند، وأنت لو صرحت بهذا المحذوف على هذا التقدير لم يكن لك إلا حذف التاء، لان الفاعل مذكر، وهذا هو الذي يريد الشارح أن يلزم به الناظم، لانه مذهب الجمهور، وهو إلزام ما لا يلزم، على أن لنا في هذا التعليل وفي ترتيب الحكم عليه كلاما لا تتسع له هذه العجالة.
(2) " والحذف " مبتدأ، وجملة " قد يأتي " وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " بلا فصل " جار ومجرور متعلق بيأتي " ومع " الواو عاطفة أو للاستئناف، مع ظرف متعلق بوقع الآتي، ومع مضاف، و " ضمير " مضاف إليه، وضمير مضاف و " ذي " بمعنى صاحب: مضاف إليه، وذي مضاف و " المجاز " مضاف إليه " في شعر " جار ومجرور متعلق بوقع الآتي " وقع " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود = (*)
(1/479)

قد تحذف التاء من الفعل المسند إلى مؤنث حقيقي من غير فصل، وهو قليل جدا، حكى سيبويه: " قال فلانة "، وقد تحذف التاء من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث المجازي، وهو مخصوص بالشعر، كقوله: 146 - فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها * * *
.
__________
= إلى الحذف، وتقدير البيت: وحذف تاء التأنيث من الفعل المسند إلى مؤنث قد يجئ في كلام العرب من غير فصل بين الفعل وفاعله، وقد وقع ذلك الحذف في الشعر مع كون الفاعل ضميرا عائدا إلى مؤنث مجازي التأنيث.
146 - البيت لعامر بن جوين الطائي، كما نسب في كتاب سيبويه (1 - 240) وفي شرح شواهده للاعلم الشنتمري.
اللغة: " المزنة " السحابة المثقلة بالماء " الودق " المطر، وفي القرآن الكريم (فترى الودق يخرج من خلاله) " أبقل " أنبت البقل، وهو النبات.
الاعراب: " فلا " نافية تعمل عمل ليس " مزنة " اسمها، وجملة " ودقت " وفاعله المستتر العائد إلى مزنة في محل نصب خبر لا " ودقها " ودق: منصوب على المفعولية المطلقة، وودق مضاف وها: مضاف إليه " ولا " الواو عاطفة لجملة على جملة، ولا: نافية للجنس تعمل عمل إن " أرض " اسم لا، وجملة " أبقل " وفاعله المستتر فيه في محل رفع خبرها " إبقالها " إبقال: مفعول مطلق، وإبقال مضاف وضمير الغائبة في محل جر مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " ولا أرض أثقل " حيث حذف تاء التأنيث من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث، وهذا الفعل هو " أبقل " وهو مسند إلى ضمير مستتر يعود إلى الارض، وهي مؤنثة مجازية التأنيث، ويروى: * ولا أرض أبقلت ابقالها * بنقل حركة الهمزة من " إبقالها " إلى التاء في " أبقلت " وحينئذ لا شاهد فيه.
ومثل هذا البيت قول الاعشى ميمون بن قيس: فإما تريني ولي لمة فإن الحوادث أودى بها = (*)
(1/480)

والتاء مع جمع سوى السالم من
مذكر كالتاء مع إحدى اللبن (1) والحذف في " نعم الفتاة " استحسنوا لان قصد الجنس فيه بين (2).
__________
= ومحل الاستشهاد منه قوله " أودى بها " حيث لم يلحق تاء التأنيث بالفعل الذي هو قوله " أودى " مع كونه مسندا إلى ضمير مستتر عائد إلى اسم مؤنث وهو الحوادث الذي هو جمع حادثة، وقد عرفت أن الفعل إذا أسند إلى ضمير راجع إلى مؤنث وجب تأنيثه، سواء أكان مرجعه حقيقي التأنيث، أم كان مرجع الضمير مجازي التأنيث، وترك التاء حينئذ مما لا يجوز ارتكابه إلا في ضرورة الشعر، فلما اضطر الشاعر في بيت الشاهد وفيما أنشدناه من قول الاعشى على الرواية المشهورة حذف علامة التأنيث من الفعل.
(1) " والتاء " مبتدأ " مع " ظرف متعلق بمحذوف حال منه، أو من الضمير المستتر في خبره، ومع مضاف، و " جمع " مضاف إليه " سوى " نعت لجمع، وسوى مضاف و " السالم " مضاف إليه " من مذكر " جار ومجرور متعلق بالسالم " كالتاء " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ " مع " ظرف متعلق بمحذوف حال من التاء المجرور بالكاف، ومع مضاف و " إحدى " مضاف إليه، وإحدى مضاف و " اللبن " مضاف إليه.
(2) " والحذف " بالنصب: مفعول مقدم لاستحسنوا " في نعم الفتاة " جار ومجرور بقصد اللفظ متعلق بالحذف أو باستحسنوا " استحسنوا " فعل وفاعل " لان " اللام حرف جر، أن: حرف توكيد ونصب " قصد " اسم أن، وقصد مضاف و " الجنس " مضاف إليه " فيه " جار ومجرور متعلق بقوله بين الآتي " بين " خبر " أن " وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور باللام، والجار والمجرور متعلق بقوله استحسنوا، وتقدير الكلام: استحسنوا الحذف في " نعم الفتاة " لظهور قصد
الجنس فيه، ويجوز أن يكون الحذف بالرفع مبتدأ، وجملة " استحسنوا " خبره، والرابط محذوف، والتقدير: الحذف استحسنوه إلخ، وهذا الوجه ضعيف، لاحتياجه إلى التقدير، وسيبويه يأبى مثله.
(*)
(1/481)

إذا أسند الفعل إلى جمع: فإما أن يكون جمع سلامة لمذكر، أولا، فإن كان جمع سلامة لمذكر لم يجز اقتران الفعل بالتاء، فتقول: " قام الزيدون "، ولا يجوز " قامت الزيدون " (1)، وإن لم يكن جمع سلامة لمذكر - بأن كان.
__________
(2) الاشياء التي تدل على معنى الجمع ستة أشياء، الاول: اسم الجمع نحو قوم ورهط ونسوة، والثاني: اسم الجنس الجمعي نحو روم وزنج وكلم، والثالث: جمع التكسير لمذكر نحو رجال وزيود، والرابع: جمع التكسير لمؤنث نحو هنود وضوارب، والخامس: جمع المذكر السالم نحو الزيدين والمؤمنين والبنين، والسادس: جمع المؤنث السالم نحو الهندات والمؤمنات والبنات، وللعلماء في الفعل المسند إلى هذه الاشياء ثلاثة مذاهب: المذهب الاول: مذهب جمهور الكوفيين، وهو أنه يجوز في كل فعل أسند إلى شئ من هذه الاشياء الستة أن يؤتى به مؤنثا وأن يؤتى به مذكرا، والسر في هذا أن كل واحد من الاشياء الستة يجوز أن يؤول بالجمع فيكون مذكر المعنى، فيؤتى بفعله خاليا من علامة التأنيث، وأن يؤول بالجماعة فيكون مؤنث المعنى، فيؤتى بفعله مقترنا بعلامة التأنيث، فنقول على هذا: جاء القوم، وجاءت القوم، وفي الكتاب العزيز (وقال نسوة في المدينة) وتقول: زحف الروم، وزحفت الروم، وفي الكتاب الكريم: (غلبت الروم) وتقول: جاء الرجال، وجاءت الرجال، وتقول: جاء الهنود، وجاءت الهنود، وتقول جاء الزينبات، وجاءت الزينبات، وفي التنزيل: (إذا جاءك المؤمنات) وقال عبدة بن الطييب من قصيدة له:
فبكى بناتي شجوهن وزوجتي والظاعنون إلي، ثم تصدعوا وتقول: جاء الزيدون، وجاءت الزيدون، وفي التنزيل: (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) وقال قريط بن أنيف أحد شعراء الحماسة: لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا والمذهب الثاني: مذهب أبي علي الفارسي، وخلاصته أنه يجوز الوجهان في جميع هذه الانواع، إلا نوعا واحدا، وهو جمع المذكر السالم، فإنه لا يجوز في الفعل الذي يسند إليه إلا التذكير، وأنت لو تأملت في كلام الناظم لوجدته بحسب ظاهره مطابقا لهذا المذهب، لانه لم يستثن إلا السالم من جمع المذكر.
= (*)
(1/482)

جمع تكسير لمذكر كالرجال، أو لمؤنث كالهنود، أو جمع سلامة لمؤنث كالهندات - جاز إثبات التاء وحذفها، فتقول: " قام الرجال، وقامت الرجال، وقام الهنود، وقامت الهنود، وقام الهندات، وقامت الهندات "، فإثبات التاء لتأوله بالجماعة، وحذفها لتأوله بالجمع.
وأشار بقوله: " كالتاء مع إحدى اللبن " إلى أن التاء مع جمع التكسير، وجمع السلامة لمؤنث، كالتاء مع [ الظاهر ] المجازي التأنيث كلبنة، فكما تقول: " كسرت اللبنة، وكسر اللبنة " تقول: " قام الرجال، وقامت الرجال " وكذلك باقي ما تقدم.
وأشار بقوله: " والحذف في نعم الفتاة - إلى آخر البيت " إلى أنه يجوز في " نعم " وأخواتها - إذا كان فاعلها مؤنثا - إثبات التاء وحذفها، وإن كان مفردا مؤنثا حقيقيا، فتقول: " نعم المرأة هند، ونعمت المرأة هند " وإنما جاز ذلك لان فاعلها مقصود به استغراق الجنس، فعومل معاملة جمع التكسير في جواز إثبات التاء وحذفها، لشبهه به في أن المقصود به متعدد،
.
__________
= والمذهب الثالث: مذهب جمهور البصريين، وخلاصته أنه يجوز الوجهان في أربعة أنواع، وهي: اسم الجمع، واسم الجنس الجمعي، وجمع التكسير لمذكر، وجمع التكسير لمؤنث، وأما جمع المذكر السالم فلا يجوز في فعله إلا التذكير، وأما جمع المؤنث السالم فلا يجوز في فعله إلا التأنيث، وقد حاول جماعة من الشراح كالاشموني أن يحملوا كلام الناظم عليه، فزعموا أن الكلام على نية حذف الواو والمعطوف بها، وأن أصل الكلام " سوى السالم من جمع مذكر ومن جمع مؤنث " ولكن شارحنا رحمه الله لم يتكلف هذا التكلف، لانه رأى أن لظاهر الكلام محملا حسنا، وهو أن يوافق مذهب أبي علي الفارسي، فاحفظ هذا التحقيق واحرص عليه، فإنه نفيس دقيق قلما تعثر عليه مشروحا مستدلا له في يسر وسهولة.
(*)
(1/483)

ومعنى قوله " استحسنوا " أن الحذف في هذا ونحوه حسن، ولكن الاثبات أحسن منه.
* * * والاصل في الفاعل أن يتصلا والاصل في المفعول أن ينفصلا (1) وقد يجاء بخلاف الاصل، وقد يجي المفعول قبل الفعل (2) الاصل أن يلي الفاعل الفعل من غير أن يفصل بينه وبين الفعل فاصل، لانه كالجزء منه، ولذلك يسكن له آخر الفعل: إن كان ضمير متكلم، أو مخاطب، نحو " ضربت، وضربت "، وإنما سكنوه كراهة توالي أربع متحركات، وهم إنما يكرهون ذلك في الكلمة الواحدة، فدل ذلك على أن الفاعل مع فعله كالكلمة الواحدة.
والاصل في المفعول أن ينفصل من الفعل: بأن يتأخر عن الفاعل، ويجوز تقديمه على الفاعل إن خلا مما سيذكره، فتقول " ضرب زيدا عمرو "،
وهذا معنى قوله: " وقد يجاء بخلاف الاصل "..
__________
(1) " والاصل " مبتدأ " في الفاعل " جار ومجرور متعلق بالاصل " أن " مصدرية " يتصلا " فعل مضارع منصوب بأن، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الفاعل، و " أن " ومنصوبها في تأويل مصدر مرفوع خبر المبتدأ " والاصل في المفعول أن ينفصلا " مثل الشطر السابق تماما، وتقدير الكلام: والاصل في الفاعل اتصاله بالفعل، والاصل في المفعول انفصاله من الفعل بالفاعل.
(2) " وقد " حرف تقليل " يجاء " فعل مضارع مبني للمجهول " بخلاف " جار ومجرور في موضع نائب فاعل ليجاء، وخلاف مضاف، و " الاصل " مضاف إليه " وقد " حرف تقليل " يجي " فعل مضارع " المفعول " فاعل يجي " قبل " ظرف متعلق بمحذوف حال من المفعول، وقبل مضاف، و " الفعل " مضاف إليه.
(*)
(1/484)

وأشار بقوله: " وقد يجي المفعول قبل الفعل " إلى أن المفعول قد يتقدم على الفعل، وتحت هذا قسمان: أحدهما: ما يجب تقديمه، وذلك (1) كما إذا كان المفعول اسم شرط، نحو " أيا تضرب [ أضرب ] " أو اسم استفهام، نحو " أي رجل ضربت ؟ " أو ضميرا منفصلا لو تأخر لزم اتصاله، نحو (إياك نعبد) فلو أخر المفعول لزم الاتصال، وكان يقال: " نعبدك " فيجب التقديم، بخلاف قولك " الدرهم إياه أعطيتك " فإنه لا يجب تقديم " إياه " لانك لو أخرته لجاز اتصاله وانفصاله، على ما تقدم في باب المضمرات، فكنت تقول: " الدرهم أعطيتكه، وأعطيتك إياه "..
__________
(1) يجب تقديم المفعول به على الفعل العامل فيه في ثلاثة مواضع، وقد ذكر الشارح موضعين منها من غير ضبط.
الموضع الاول: أن يكون المفعول واحدا من الاشياء التي يجب لها التصدر، وذلك بأن يكون اسم شرط أو اسم استفهام، أو يكون المفعول " كم " الخبرية، نحو: كم عبيد ملكت، أو مضافا إلى واحد مما ذكر، نحو غلام من تضرب أضرب، ونحو غلام من ضربت ؟ ونحو مال كم رجل غصبت.
الموضع الثاني: أن يكون المفعول ضميرا منفصلا في غير باب " سلنيه " و " خلتنيه " اللذين يجوز فيهما الفصل والوصل مع التأخر، نحو قوله تعالى: (إياك نعبد، وإياك نستعين).
الموضع الثالث: أن يكون العامل في المفعول واقعا في جواب " أما " وليس معنا ما يفصل بين " أما " والفعل من معمولاته سوى هذا المفعول، سواء أكانت " أما " مذكورة في الكلام نحو قوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر) أم كانت مقدرة نحو قوله سبحانه (وربك فكبر) فإن وجد ما يكون فاصلا بين " أما " والفعل سوى المفعول لم يجب تقديم المفعول على الفعل، نحو قولك: أما اليوم فأد واجبك، والسر في ذلك أن " ما " يجب أن يفصل بينها وبين الفاء بمفرد، فلا يجوز أن تقع الفاء بعدها مباشرة، ولا أن يفصل بينها وبين الفاء بجملة، كما سيأتي بيانه في بابها.
(*)
(1/485)

والثاني: ما يجوز تقديمه وتأخيره، نحو " ضرب زيد عمرا "، فتقول: " عمرا ضرب زيد " (1).
* * * وأخر المفعول إن لبس حذر، أو أضمر الفاعل غير منحصر (2).
__________
(1) بقيت صورة أخرى، وهي أنه قد يجب تأخير المفعول عن الفعل، وذلك في خمسة مواضع: الاول: أن يكون المفعول مصدرا مؤولا من أن المؤكدة ومعموليها، مخففة
كانت " أن " أو مشددة، نحو قولك: عرفت أنك فاضل، ونحو قوله تعالى " علم أن لن تحصوه " إلا أن تتقدم عليه " أما " نحو قولك: أما أنك فاضل فعرفت.
الموضع الثاني: أن يكون الفعل العامل فيه فعل تعجب، نحو قولك: ما أحسن زيدا، وما أكرم خالدا.
الموضع الثالث: أن يكون الفعل العامل فيه صلة لحرف مصدري ناصب وذلك أن وكي نحو قولك: يعجبني أن تضرب زيدا، ونحو قولك: جئت كي أضرب زيدا فإن كان الحرف المصدري غير ناصب لم يجب تأخير المفعول عن العامل فيه، نحو قولك: وددت لو تضرب زيدا، يجوز أن تقول: وددت لو زيدا تضرب، ونحو قولك يعجبني ما تضرب زيدا، فيجوز أن تقول: يعجبني ما زيدا تضرب.
الموضع الرابع: أن يكون الفعل العامل فيه مجزما بجازم ما، وذلك كقولك لم تضرب زيدا، لا يجوز أن تقول: لم زيدا تضرب، فإن قدمت المفعول على الجازم - فقلت زيدا لم تضرب - جاز.
الموضع الخامس: أن يكون الفعل العامل منصوبا بلن عند الجمهور أو بإذن عند غير الكسائي، نحو قولك: لن أضرب زيدا، ونحو قولك: إذن أكرم المجتهد، فلا يجوز أن تقول: لن زيدا أضرب: كما لا يجوز عند الجمهور أن تقول: إذن المجتهد أكرم، وأجاز الكسائي أن تقول: إذا المجتهد أكرم.
(2) " وأخر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " المفعول " = (*)
(1/486)

يجب تقديم الفاعل على المفعول، إذا خيف التباس أحدهما بالآخر، كما إذا خفي الاعراب فيهما، ولم توجد قرينة تبين الفاعل من المفعول، وذلك نحو " ضرب موسى عيسى " فيجب كون " موسى " فاعلا، و " عيسى " مفعولا، وهذا مذهب الجمهور، وأجاز بعضهم تقديم المفعول في هذا ونحوه، قال: لان العرب لها
غرض في الالتباس كما لها غرض في التبيين (1)..
__________
= مفعول به لاخر " إن " شرطية " لبس " نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده " حذر " فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى لبس، والجملة من حذر المذكور ونائب فاعله لا محل لها تفسيرية " أو " عاطفة " أضمر " فعل ماض مبني للمجهول " الفاعل " نائب فاعل أضمر " غير " حال من قوله الفاعل، وغير مضاف، و " منحصر " مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة، وسكن لاجل الوقف.
(1) الذي ذكر ذلك هو ابن الحاج، وقد أخطأ الجادة، فإن العرب لا يمكن أن يكون من أغراضها الالباس، إذ من شأن الالباس أن يفهم السامع غير ما يريد المتكلم ولم توضع اللغة إلا للافهام، وما ذكره ابن الحاج لتدعيم حجته مما جاء عن العرب كله ليس من الالباس في شئ، وإنما هو من باب الاجمال، فلما التبس عليه الفرق بين الالباس والاجمال لم يفرق بين حكمهما، والفرق بينهما أن الاجمال هو احتمال اللفظ لمعنيين أو أكثر من غير أن يسبق أحد المعنيين إلى ذهن السامع، ألا ترى أنك لو سمعت كلمة " عمير " - بزنة التصغير - لاحتمل عندك أن يكون تصغير عمر كما يحتمل أن يكون تصغير عمرو، بدون أن يكون أحدهما أسبق إلى ذهنك من الآخر، فأما الالباس فهو احتمال اللفظ لمعنيين أو أكثر مع تبادر غير المقصود منهما إلى ذهن السامع، وذلك كما في المثال الذي ذكره الشارح، ألا ترى أنك لو قلت " ضرب موسى عيسى " لاحتمل هذا الكلام أن يكون موسى مضروبا ولكنه يسبق إلى ذهنك أنه ضارب، بسبب أن الاصل أن يكون الفاعل واليا لفعله، ولا يمكن أن يكون هذا من مقاصد البلغاء، فافهم ذلك وتدبره.
(*)
(1/487)

فإذا وجدت قرينة تبين الفاعل من المفعول جاز تقديم المفعول وتأخيره،
فتقول: " أكل موسى الكمثرى، وأكل الكمثرى موسى (1) " وهذا معنى قوله: " وأخر المفعول إن لبس حذر ".
ومعنى قوله: " أو أضمر الفاعل غير منحصر " أنه يجب - أيضا - تقديم الفاعل وتأخير المفعول إذا كان الفاعل ضميرا غير محصور، نحو " ضربت زيدا " فإن كان ضميرا محصورا وجب تأخيره، نحو " ما ضرب زيدا إلا أنا " (2) * * * وما بإلا أو بإنما انحصر أخر، وقد يسبق إن قصد ظهر (3).
__________
(1) قد تكون القرينة الدالة على الفاعل معنوية، وقد تكون لفظية، فالقرينة المعنوية كما في مثال الشارح، وقولك: أرضعت الصغرى الكبرى، إذ لا يجوز أن يكون الارضاع قد حصل من الصغرى للكبرى، كما لا يجوز أن يكون موسى مأكولا والكمثرى هي الآكل، والقرينة اللفظية ثلاثة أنواع، الاول: أن يكون لاحدهما تابع ظاهر الاعراب كقولك: ضرب موسى الظريف عيسى، فإن " الظريف " تابع لموسى فلو رفع كان موسى مرفوعا، ولو نصب كان موسى منصوبا كذلك، الثاني: أن يتصل بالسابق منهما ضمير يعود على المتأخر نحو قولك: ضرب فتاه موسى، فهنا يتعين أن يكون " فتاه " مفعولا، إذ لو جعلته فاعلا لعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة وهو لا يجوز، بخلاف مالو جعلته مفعولا فإن الضمير حينئذ عائد على متأخر لفظا متقدم رتبة وهو جائز الثالث: أن يكون أحدهما مؤنثا وقد اتصلت بالفعل علامة التأنيث، وذلك كقولك: ضربت موسى سلمى، فإن اقتران التاء بالفعل دال على أن الفاعل مؤنث، فتأخره حينئذ عن المفعول لا يضر.
(2) ومن ذلك قول عمرو بن معد يكرب وأنشدناه في مباحث الضمير.
قد علمت سلمى وجاراتها ما قطر الفارس إلا أنا (3) " وما " اسم موصول: مفعول مقدم لاخر " بإلا " جار ومجرور متعلق = (*)
(1/488)

يقول: إذا انحصر الفاعل أو المفعول ب " إلا " أو ب " إنما " وجب تأخيره، وقد يتقدم المحصور من الفاعل أو المفعول على غير المحصور، إذا ظهر المحصور من غيره، وذلك كما إذا كان الحصر ب " إلا " فأما إذا كان الحصر ب " إنما " فإنه لا يجوز تقديم المحصور، إذ لا يظهر كونه محصورا إلا بتأخيره، بخلاف المحصور ب " إلا " فإنه يعرف بكونه واقعا بعد " إلا "، فلا فرق بين أن يتقدم أو يتأخر.
فمثال الفاعل المحصور ب " إنما " قولك: " إنما ضرب عمرا زيد " ومثال المفعول المحصور بإنما " إنما ضرب زيد عمرا " ومثال الفاعل المحصور ب " إلا " " ما ضرب عمرا إلا زيد " ومثال المفعول المحصور بإلا " ما ضرب زيد إلا عمرا " ومثال تقدم الفاعل المحصور ب " إلا " قولك: " ما ضرب إلا عمرو زيدا " ومنه قوله: 147 - فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا عشية آناء الديار وشامها.
__________
= بانحصر الآتي " أو " عاطفة " بإنما " جار ومجرور معطوف على " بإلا " " انحصر " فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة من الفعل وفاعله لامحل لها صلة ما الموصولة " أخر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " وقد " حرف دال على التقليل " يسبق " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما " إن " شرطية " قصد " فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إن ظهر قصد " ظهر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قصد، والجملة من ظهر المذكور وفاعله لا محل لها تفسيرية.
147 - هذا البيت من الشواهد التي لم ينسبها أحد ممن احتج به من أئمة النحو،
وهو من شواهد سيبويه (1 - 270) وقد عثرت بعد طويل البحث على أنه من قصيدة طويلة لذي الرمة غيلان بن عقبة، وأولها قوله: = (*)
(1/489)

.
__________
= مررنا على دار لمية مرة وجاراتها، قد كاد يعفو مقامها وبعده بيت الشاهد، ثم بعده قوله: وقد زودت مي على النأي قلبه علاقات حاجات طويل سقامها فأصبحت كالهيماء: لا الماء مبرد صداها، ولا يقضي عليها هيامها اللغة: " آناء " من الناس من يرويه بهمزة ممدودة كآبار وآرام، ومنهم من يرويه بهمزة في أوله غير ممدودة وهمزة بعد النون ممدودة بوزن أعمال، وقد جعله العيني جمع نأي - بفتح النون - ومعناه البعد، وعندي أنه جمع نؤي - بزنة قفل أو صرد أو ذئب أو كلب وهو الحفيرة تحفر حول الخباء لتمنع عنه المطر.
ويجوز أن تكون الهمزة في أوله ممدودة على أنه قدم الهمزة التي هي العين على النون فاجتمع في الجمع همزتان متجاورتان وثانيتهما ساكنة فقلبها ألفا من جنس حركة الاولى كما فعلوا بآبار وآرام جمع بئر ورئم.
كما يجوز أن تكون المدة في الهمزة الثانية على الاصل.
وقد جعله الشيخ خالد بكسر الهمزة الاولى على أنه مصدر بزنة الابعاد ومعناه، وهو بعيد فلا تلتفت إليه " وشامها " ضبطه غير واحد بكسر الواو بزنة جبال على أنه جمع وشم، وهو ما تجعله المرأة على ذراعها ونحوه: تغرز ذراعها بالايرة ثم تحشوه بدخان الشحم.
وليس ذلك بصواب أصلا.
وقد تحرف الكلام عليهم فانطلقوا يخرجونه ويتمحلون له والواو مفتوحة، وهي واو العطف، والشام: جمع شامة، وهي العلامة، وشام: معطوف إما على آناء وإما على عشية على ما سنبينه لك في الاعراب.
هذا، ورواية الديوان هكذا: فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا أهلة آناء الديار وشامها
المعنى: لا يعلم إلا الله تعالى مقدار ما هيجته فينا من كوامن الشوق هذه العشية التي قضيناها بجوار آثار دار المحبوبة.
وعلامات هذه الدار، الاعراب: " فلم " الفاء حرف عطف، لم: حرف نفي وجزم وقلب " يدر " فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الياء " إلا " أداة استثناء ملغاة " الله " فاعل يدري " ما " اسم موصول مفعول به ليدري، وجملة " هيجت " مع فاعله الآتي لا محل لها صلة = (*)
(1/490)

ومثال تقديم المفعول المحصور بإلا قولك: " ما ضرب إلا عمرا زيد "، ومنه قوله: 148 - تزودت من ليلى بتكليم ساعة فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها.
__________
= الموصول " لنا " جار ومجرور متعلق بهيجت " عشية " يجوز أن يكون فاعل لهيجت، وعيشة مضاف و " آناء " مضاف إليه، وآناء مضاف، و " الديار " مضاف إليه " وشامها " الواو حرف عطف، وشام: معطوف على عشية إن جعلته فاعل هيجت، وشام مضاف وضمير الغائبة العائد على الديار مضاف إليه، ولا تلتفت لغير هذا من أعاريب، ويجوز نصب عشية على الظرفية، ويكون " آناء " فاعلا لهيجت، ويكون قد حذف تنوين عشية للضرورة أو ألقى حركة الهمزة من آناء على تنوين عشية ثم حذف الهمزة، ويكون " شامها " معطوفا على آناء الديار.
الشاهد فيه: قوله " فلم يدر إلا الله ما - إلخ " حيث قدم الفاعل المحصور بإلا، على المفعول، وقد ذهب الكسائي إلى تجويز ذلك استشهادا بمثل هذا البيت، والجمهور على أنه ممنوع، وعندهم أن " ما " اسم موصول مفعول به لفعل محذوف.
والتقدير: فلم يدر إلا الله، درى ما هيجت لنا، وسيذكر ذلك الشارح.
148 - نسب كثير من العلماء هذا البيت لمجنون بني عامر قيس بن الملوح، ولم
أعثر عليه في ديوانه، ولعل السر في نسبتهم البيت له ذكر " ليلى " فيه.
الاعراب: " تزودت " فعل ماض وفاعل " من ليلى، بتكليم " متعلقان بتزود وتكليم مضاف، و " ساعة " مضاف إليه " فما " نافية " زاد " فعل ماض " إلا " أداة استثناء ملغاة " ضعف " مفعول به لزاد، وضعف مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " بي " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول " كلامها " كلام: فاعل زاد، وكلام مضاف، وضمير الغائبة العائد إلى ليلى مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها " حيث قدم المفعول به، وهو قوله " ضعف " على الفاعل، وهو قوله " كلامها " مع كون المفعول منحصرا " بإلا " وهذا جائز عند الكسائي وأكثر البصريين، وبقية البصريين يتأولون ذلك البيت = (*)
(1/491)

هذا معنى كلام المصنف، واعلم أن المحصور ب " إنما " لا خلاف في أنه لا يجوز تقديمه، وأما المحصور بإلا ففيه ثلاثة مذاهب: أحدها - وهو مذهب أكثر البصريين، والفراء، وابن الانباري - أنه لا يخلو: إما أن يكون المحصور بها فاعلا، أو مفعولا، فإن كان فاعلا امتنع تقديمه، فلا يجوز " ما ضرب إلا زيد عمرا " فأما قوله: * فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا (1) * [ 147 ] فأول على أن " ما هيجت " مفعول بفعل محذوف، والتقدير: " درى ما هيجت لنا " فلم يتقدم الفاعل المحصور على المفعول، لان هذا ليس مفعولا للفعل المذكور، وإن كان المحصور مفعولا جاز تقديمه، نحو " ما ضرب إلا عمرا زيد " الثاني - وهو مذهب الكسائي - أنه يجوز تقديم المحصور ب " إلا ": فاعلا كان، أو مفعولا.
الثالث - وهو مذهب بعض البصريين، واختاره الجزولي، والشلوبين أنه لا يجوز تقديم المحصور ب " إلا ": فاعلا كان، أو مفعولا.
* * * وشاع نحو " خاف ربه عمر " وشذ نحو " زان نوره الشجر " (2).
__________
= ونحوه بأن في " زاد " ضميرا مستترا يعود على تكليم ساعة، وهو فاعله، وقوله " كلامها " فاعل بفعل محذوف، والتقدير: زاده كلامها، وهو تأويل مستبعد، ولا مقتضى له.
(1) قدمنا ذكر الكلام على هذا الشاهد، وهو الشاهد رقم 147.
(2) " وشاع " فعل ماض " نحو " فاعل شاع " خاف " فعل ماض " ربه " رب: منصوب على التعظيم، ورب مضاف وضمير الغائب العائد إلى عمر المتأخر لفظا مضاف إليه " عمر " فاعل خاف، والجملة من خاف وفاعله ومفعوله في محل جر بإضافة نحو إليها " وشذ " فعل ماض " نحو " فاعل شذ " زان " فعل ماض " نوره " نور: فاعل زان، ونور مضاف، وضمير الغائب العائد إلى الشجر المتأخر لفظا ورتبة مضاف إليه " الشجر " مفعول به لزان، وجملة زان وفاعله ومفعوله في محل جر بإضافة = (*)
(1/492)

أي: شاع في لسان العرب تقديم المفعول المشتمل على ضمير يرجع إلى الفاعل المتأخر (1)، وذلك نحو " خاف ربه عمر " ف " ربه " مفعول، وقد اشتمل على ضمير يرجع إلى " عمر " وهو الفاعل، وإنما جاز ذلك - وإن كان فيه عود الضمير على متأخر لفظا - لان الفاعل منوي التقديم على المفعول، لان الاصل في الفاعل أن يتصل بالفعل، فهو متقدم رتبة، وإن تأخر لفظا.
فلو اشتمل المفعول على ضمير يرجع إلى ما اتصل بالفاعل، فهل يجوز تقديم المفعول على الفاعل ؟ في ذلك خلاف، وذلك نحو " ضرب غلامها جار هند " فمن أجازها وهو الصحيح وجه الجواز بأنه لما عاد الضمير على ما اتصل بما رتبته التقديم كان كعوده على ما رتبته التقديم، لان المتصل بالمتقدم متقدم.
وقوله: " وشذ إلى آخره " أي شذ عود الضمير من الفاعل المتقدم على
المفعول المتأخر، وذلك نحو " زان نوره الشجر " فالهاء المتصلة بنور الذي هو الفاعل عائدة على " الشجر " وهو المفعول، وإنما شذ ذلك لان فيه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، لان " الشجر " مفعول، وهو متأخر لفظا، والاصل فيه أن ينفصل عن الفعل، فهو متأخر رتبة، وهذه المسألة ممنوعة عند جمهور النحويين وما ورد من ذلك تأولوه، وأجازها أبو عبد الله الطوال من الكوفيين، وأبو الفتح بن جنى، وتابعهما المصنف (2)، ومما ورد من ذلك قوله:.
__________
= نحو إليها، والمراد بنحو " خاف ربه عمر ": كل كلام اتصل فيه ضمير الفاعل المتأخر بالمفعول المتقدم، والمراد بنحو " زان نوره الشجر ": كل كلام اتصل فيه ضمير المفعول المتأخر بالفاعل المتقدم.
(1) من ذلك قول الاعشى ميمون: كناطح صخرة يوما ليوهنها * فلم يضرها، وأوهى قرنه الوعل (2) ذهب إلى هذا الاخفش أيضا، وابن جنى تابع فيه له.
وقد أيدهما في ذلك = (*)
(1/493)

149 - لما رأى طالبوه مصعبا ذعروا وكاد، لو ساعد المقدور، ينتصر.
__________
= المحقق الرضي، قال: والاولى تجويز ما ذهبا إليه، ولكن على قلة، وليس للبصرية منعه مع قولهم في باب التنازع بما قالوا، اه، وهو يشير إلى رأى البصريين في التنازع من تجويزهم إعمال العامل الثاني المتأخر في لفظ المعمول، وإعمال المتقدم من العاملين في ضميره، إذ فيه عود الضمير على المتأخر.
149 - البيت لاحد أصحاب مصعب بن الزبير - رضي الله عنهما ! - يرثيه.
اللغة: " طالبوه " الذين قصدوا قتاله " ذعروا " أخذهم الخوف " كاد ينتصر " لان خوفهم منه أعظم وسيلة لانتصاره عليهم، وهو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم
" نصرت بالرعب ".
الاعراب: " لما " ظرف بمعنى حين مبني على السكون في محل نصب بذعر الآتي " رأى " فعل ماض " طالبوه " طالبو: فاعل رأى، وطالبو مضاف والضمير العائد إلى مصعب مضاف إليه، والجملة من رأى وفاعله في محل جر بإضافة لما الظرفية إليها " مصعبا " مفعول به لرأى " ذعروا " فعل ماض مبني للمجهول ونائب فاعل " وكاد " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مصعب " لو " شرطية غير جازمة " ساعد المقدور " فعل وفاعل، وهو شرط لو " ينتصر " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مصعب، والجملة من ينتصر وفاعله في محل نصب خبر " كاد " وجواب لو محذوف يدل عليه خبر كاد، وجملة الشرط والجواب لا محل لها اعتراضية بين كاد واسمها وبين خبرها.
الشاهد فيه: قوله " رأى طالبوه مصعبا " حيث أخر المفعول عن الفاعل، مع أن مع الفاعل ضميرا يعود على المفعول، فعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة.
ومن شواهد هذه المسألة مما لم يذكره الشارح - قول الشاعر: لما عصى أصحابه مصعبا أدى إليه الكيل صاعا بصاع وقول الآخر: ألا ليت شعري هل يلومن قومه زهيرا على ما جر من كل جانب = (*)
(1/494)

وقوله: 150 - كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد ورقى نداه ذا الندى في ذرى المجد.
__________
= وسننشد في شرح الشاهد رقم 153 الآتي بعض شواهد لهذه المسألة، ونذكر لك ما نرجحه من أقوال العلماء.
150 - البيت من الشواهد التي لا يعلم قائلها.
اللغة: " كسا " فعل يتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، تقول: كسوت محمدا جبة، كما تقول: ألبست عليا قميصا " حلمه " الحلم: الاناة والعقل، وهو أيضا تأخير العقوبة وعدم المعاجلة فيها " سؤدد " هو السيادة " ورقى " بتضعيف القاف أصل معناه جعله يرقى: أي يصعد، والمرقاة: السلم الذي به تصعد من أسفل إلى أعلى، والمراد رفعه وأعلى منزلته من بين نظرائه " الندى " المراد به الجود والكرم " ذرى " بضم الذال - جمع ذروة، وهي أعلى الشئ.
الاعراب: " كسا " فعل ماض " حلمه " حلم: فاعل كسا، وحلم مضاف والضمير مضاف إليه " ذا الحلم " ذا: مفعول أول لكسا، وذا مضاف والحلم مضاف إليه " أثواب سؤدد " أثواب: مفعول ثان لكسا، وأثواب مضاف وسؤدد مضاف إليه " ورقى " فعل ماض " نداه " فاعل ومضاف إليه " ذا الندى " مفعول به ومضاف إليه " في ذرى " جار ومجرور متعلق برقى.
وذرى مضاف، و " المجد " مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " كسا حلمه ذا الحلم، ورقى نداه ذا الندى " فإن المفعول فيهما متأخر عن الفاعل مع أن مع الفاعل ضميرا يعود على المفعول، فيكون فيه إعادة الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة جميعا، وذلك لا يجوز عند جمهور البصريين، خلافا لابن جنى - تبعا للاخفش - وللرضي، وابن مالك في بعض كتبه.
كذا قالوا، ونحن نرى أنه لا يبعد - في هذا البيت أن يكون الضمير في " حلمه، ونداه " عائدا على ممدوح ذكر في أبيات تقدمت البيت الشاهد، فيكون المعنى أن حلم هذا الممدوح هو الذي أثر فيمن تراهم من أصحاب الحلم، إذ ائتسوا به وجعلوه قدوة لهم، واستمر تأثيره فيهم حتى بلغوا الغاية من هذه الصفة، وأن ندى هذا الممدوح أثر كذلك فيمن تراهم من أصحاب الجود، فافهم وأنصف.
*
(1/495)

وقوله: 151 - ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا من الناس أبقى مجده الدهر مطعما وقوله: 152 - جزى ربه عني عدي بن حاتم جزاء الكلاب العاويات وقد فعل.
__________
151 - البيت لشاعر الانصار سيدنا حسان بن ثابت، يرثي مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي، أحد أجواد مكة، وأول هذه القصيدة قوله: أعين ألا ابكي سيد الناس، واسفحي بدمع، فإن أنزفته فاسكبي الدما اللغة: " أعين " أراد يا عيني، فحذف ياء المتكلم اكتفاء بالكسرة التي قبلها " اسفحي " أسيلي وصبي " أنزفته " أنفدت دمعك فلم يبق منه شئ " أخلد " كتب له الخلود، ودوام البقاء.
المعنى: يريد أنه لا بقاء لاحد في هذه الحياة مهما يكن نافعا لمجموع البشر.
الاعراب: " لو " شرطية غير جازمة " أن " حرف توكيد ونصب " مجدا " اسم أن، وجملة " أخلد " مع فاعله المستتر فيه في محل رفع خبر أن، وأن مع دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع على أنه فاعل لفعل محذوف، والتقدير: لو ثبت إخلاد مجد صاحبه، وهذا الفعل هو فعل الشرط " الدهر " منصوب على الظرفية الزمانية، وعامله أخلد " واحدا " مفعول به لاخلد " من الناس " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لواحد " أبقى " فعل ماض " مجده " مجد: فاعل أبقى، ومجد مضاف وضمير الغائب العائد إلى مطعم المتأخر مضاف إليه، والجملة من أبقى وفاعله ومفعوله لا محل لها من الاعراب جواب " لو " " مطعما " مفعول به لابقى.
الشاهد فيه: قوله " أبقى مجده مطعما " حيث أخر المفعول وهو قوله مطعما عن
الفاعل، وهو قوله " مجده " مع أن الفاعل مضاف إلى ضمير يعود على المفعول، فيقتضى أن يرجع الضمير إلى متأخر لفظا ورتبة.
152 - البيت لابي الاسود الدؤلي، يهجو عدي بن حاتم الطائي، وقد نسبه ابن = (*)
(1/496)

وقوله: 153 - جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر وحسن فعل كما يجزى سنمار
__________
= جنى إلى النابغة الذبياني، وهو انتقال ذهن من أبي الفتح، وسببه أن للنابغة الذبياني قصيدة على هذا الروى.
اللغة: " جزاء الكلاب العاويات " هذا مصدر تشبيهي، والمعنى: جزاه الله جزاء مثل جزاء الكلاب العاويات، ويروى " الكلاب العاديات " بالدال بدال الواو وهو جمع عاد، والعادي: اسم فاعل من عدا يعدو، إذا ظلم وتجاوز قدره " وقد فعل " يريد أنه تعالى استجاب فيه دعاءه، وحقق فيه رجاءه.
المعنى: يدعو على عدي بن حاتم بأن يجزيه الله جزاء الكلاب، وهو أن يطرده الناس وينبذوه ويقذفوه بالاحجار، ثم يقول: إنه سبحانه قد استجاب دعاءه عليه.
الاعراب: " جزى " فعل ماض " ربه " فاعل، ومضاف إليه " عني " جار ومجرور متعلق بجزى " عدي " مفعول به لجزى " ابن " صفة لعدي، وابن مضاف و " حاتم " مضاف إليه " جزاء " مفعول مطلق مبين لنوع عامله وهو جزى، وجزاء مضاف، و " الكلاب " مضاف إليه " العاويات " صفة للكلاب " وقد " الواو للحال، قد: حرف تحقيق " فعل " فعل ماض مبني على الفتح لا محل له، وسكن لاجل الوقف، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ربه، والجملة في محل نصب حال.
الشاهد فيه: قوله " جزى ربه.
عدي " حيث أخر المفعول، وهو قوله " عدي " وقدم الفاعل، وهو قوله " ربه "، مع اتصال الفاعل بضمير يعود على المفعول.
153 - نسبوا هذا البيت لسليط بن سعد، ولم أقف له على سابق أو لاحق.
اللغة: " أبا الغيلان " كنية لرجل لم أقف على تعريف له " سنمار " بكسر السين والنون بعدهما ميم مشددة اسم رجل رومي، يقال: إنه الذي بنى الخورنق وهو القصر الذي كان بظاهر الكوفة للنعمان بن امرئ القيس ملك الحيرة، وإنه لما فرغ من بنائه ألقاه النعمان من أعلى القصر، لئلا يعمل مثل لغيره، فخر ميتا، وقد ضربت به العرب المثل في سوء المكافأة، يقولون: " جزاني جزاء سنمار " قال الشاعر (انظر المثل رقم 828 في مجمع الامثال 1 / 159 بتحقيقنا): جزتنا بنو سعد بحسن فعالنا جزاء سنمار، وما كان ذانب = (32 - شرح ابن عقيل 1) (*)
(1/497)

فلو كان الضمير المتصل [ بالفاعل ] المتقدم عائدا على ما اتصل بالمفعول المتأخر امتنعت المسالة، وذلك نحو " ضرب بعلها صاحب هند "، وقد نقل بعضهم في هذه المسالة أيضا خلافا، والحق فيها المنع.
* * *.
__________
= الاعراب: " جزى " فعل ماض " بنوه " فاعل، ومضاف إليه " أبا الغيلان " مفعول به ومضاف إليه " عن كبر " جار ومجرور متعلق بجزى " وحسن فعل " الواو عاطفة، وحسن: معطوف على كبر، وحسن مضاف وفعل مضاف إليه " كما " الكاف للتشبيه، وما: مصدرية " يجزى " فعل مضارع مبني للمجهول " سنمار " نائب فاعل يجزى، و " ما " ومدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف يقع مفعولا مطلقا مبينا لنوع " جزى "، وتقدير الكلام: جزى بنوه أبا الغيلان جزاء مشابها لجزاء سنمار.
الشاهد فيه: قوله " جزى بنوه أبا الغيلان " حيث أخر المفعول، وهو قوله " أبا الغيلان " عن الفاعل، وهو قوله " بنوه "، مع أن الفاعل متصل بضمير عائد
على المفعول.
هذا، ومن شواهد هذه المسألة مما لم ينشده الشارح - زيادة على ما ذكرناه في شرح الشاهد رقم 149 - قول الشاعر: وما نفعت أعماله المرء راجيا جزاء عليها من سوى من له الامر حيث قدم الفاعل وهو قوله " أعماله " - على المفعول - وهو قوله " المرء " مع أنه قد اتصل بالفاعل ضمير يعود إلى المفعول، فجملة ما أنشده الشارح وأنشدناه لهذه المسألة ثمانية شواهد.
ولكثرة شواهد هذه المسألة نرى أن ما ذهب إليه الاخفش - وتابعه عليه أبو الفتح ابن جنى، والامام عبد القاهر الجرجاني، وأبو عبد الله الطوال، وابن مالك، والمحقق الرضي من جواز تقديم الفاعل المتصل بضمير يعود إلى المفعول، هو القول الخليق بأن تأخذ به وتعتمد عليه، ونرى أن الانصاف واتباع الدليل يوجبان علينا أن نوافق هؤلاء الائمة على ما ذهبوا إليه وإن كان الجمهور على خلافه، لان التمسك بالتعليل مع وجود النص على خلافه مما لا يجوز، وأحكام العربية يقضى فيها على وفق ما ورد عن أهلها.
(*)
(1/498)

النائب عن الفاعل ينوب مفعول به عن فاعل فيما له، كنيل خير نائل (1) يحذف الفاعل ويقام المفعول به مقامه، فيعطى ما كان للفاعل: من لزوم الرفع، ووجوب التأخر عن رافعه، وعدم جواز حذفه (2)، وذلك نحو " نيل خير نائل ".
__________
(1) " ينوب " فعل مضارع " مفعول " فاعل ينوب " به " جار ومجرور متعلق بمفعول " عن فاعل " جار ومجرور متعلق بينوب أيضا " فيما " مثله، وما اسم موصول " له " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول " كنيل " الكاف جارة لقول محذوف، نيل: فعل ماض مبني للمجهول " خير نائل " نائب فاعل، ومضاف إليه.
(2) الاغراض التي تدعو المتكلم إلى حذف الفاعل كثيرة جدا، ولكنها - على كثرتها - لا تخلو من أن سببها إما أن يكون شيئا لفظيا أو معنويا.
فأما الاسباب اللفظية فكثيرة: منها القصد إلى الايجاز في العبارة نحو قوله تعالى: (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) ومنها المحافظة على السجع في الكلام المنثور نحو قولهم: من طابت سريرته حمدت سيرته، إذ لو قيل " حمد الناس سيرته " لاختلف إعراب الفاصلتين، ومنها المحافظة على الوزن في الكلام المنظوم، كما في قول الاعشى ميمون ابن قيس: علقتها عرضا، وعلقت رجلا غيري، وعلق أخرى غيرها الرجل فأنت ترى الاعشى قد بنى " علق " في هذا البيت ثلاث مرات للمجهول، لانه لو ذكر الفاعل في كل مرة منها أو في بعضها لما استقام له وزن البيت، والتعليق ههنا: المحبة، وعرضا: أي من غير قصد منى، ولكن عرضت لي فهويتها.
وأما الاسباب المعنوية فكثيرة: منها كون الفاعل معلوما للمخاطب حتى لا يحتاج إلى ذكره له، وذلك نحو قوله تعالى: (خلق الانسان من عجل) ومنها كونه مجهولا للمتكلم فهو لا يستطيع تعيينه للمخاطب وليس في ذكره بوصف مفهوم من الفعل فائدة وذلك كما تقول: سرق متاعي، لانك لا تعرف ذات السارق، وليس في قولك " سرق اللص متاعي " فائدة زائدة في الافهام على قولك " سرق متاعي " ومنها رغبة المتكلم = (*)
(1/499)

فخير نائل: مفعول قائم مقام الفاعل، والاصل: " نال زيد خير نائل " فحذف الفاعل - وهو " زيد " - وأقيم المفعول به مقامه - وهو " خير نائل " ولا يجوز تقديمه، فلا تقول: " خير نائل نيل " على أن يكون مفعولا مقدما، بل على أن يكون مبتدأ، وخبره الجملة التي بعده وهي " نيل "، والمفعول القائم مقام الفاعل ضمير مستتر والتقدير: " [ نيل ] هو "، وكذلك لا يجوز
حذف " خير نائل فتقول: " نيل ".
* * * فأول الفعل اضممن، والمتصل بالآخر اكسر في مضي كوصل (1).
__________
= في الابهام على السامع، كقولك: تصدق بألف دينار، ومنها رغبة المتكلم في إظهار تعظيمه للفاعل: بصون اسمه عن أن يجري على لسانه، أو بصونه عن أن يقترن بالمفعول به في الذكر، كقولك: خلق الخنزير، ومنها رغبة المتكلم في إظهار تحقير الفاعل بصون لسانه عن أن يجري بذكره، ومنها خوف المتكلم من الفاعل فيعرض عن ذكره لئلا يناله منه مكروه، ومنها خوف المتكلم على الفاعل فيعرض عن اسمه لئلا يمسه أحد بمكروه.
(1) " فأول " مفعول مقدم، والعامل فيه " اضممن " الآتي، وأول مضاف و " الفعل " مضاف إليه " اضممن " اضمم: فعل أمر، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، ونون التوكيد حرف لا محل له من الاعراب، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " والمتصل " الواو حرف عطف، المتصل: مفعول مقدم، والعامل فيه " اكسر " الآتي " بالآخر " جار ومجرور متعلق بالمتصل " اكسر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " في مضي " جار ومجرور يتعلق باكسر أو بمحذوف حال " كوصل " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كقولك إلخ، ووصل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والجملة مقول القول المحذوف.
(*)
(1/500)

واجعله من مضارع منفتحا كينتحي المقول فيه: ينتحى (1) يضم أول الفعل الذي لم يسم فاعله مطلقا، أي: سواء كان ماضيا، أو مضارعا
ويكسر ما قبل آخر الماضي، ويفتح ما قبل آخر المضارع.
ومثال ذلك في الماضي قولك في وصل: " وصل " وفي المضارع قولك في " ينتحي ": " ينتحى ".
* * * والثاني التالي تا المطاوعة كالاول اجعله بلا منازعه (2) وثالث الذي بهمز الوصل كالاول اجعلنه كاستحلي (3).
__________
(1) " واجعله " اجعل: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول أول " من مضارع " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الهاء " منفتحا " مفعول ثان لاجعل " كينتحي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف " المقول " نعت لينتحي الذي قصد لفظه " فيه " جار ومجرور متعلق بالمقول " ينتحى " قصد لفظه: محكى بالقول، فهو نائب فاعل للمقول.
(2) " والثاني " مفعول أول لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: واجعل الثاني " التالي " نعت للثاني " تا " قصر للضرورة مفعول به للتالي، وفاعله ضمير مستتر فيه، وتا مضاف، و " المطاوعة " مضاف إليه " كالاول " جار ومجرور في موضع المفعول الثاني لاجعل الآتي " اجعله " اجعل: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول أول " بلا منازعة " الباء حرف جر، ولا: اسم بمعنى غير مجرور محلا بالباء، وقد ظهر إعرابه على ما بعده بطريق العارية، والجار والمجرور متعلق باجعل، ولا مضاف، ومنازعة: مضاف إليه، مجرور بالكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية، وسكن لاجل الوقف.
(3) " وثالث " مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده، وثالث مضاف و " الذي " مضاف إليه " بهمز " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الذي، وهمز مضاف، = (*)
(1/501)

إذا كان الفعل المبني للمفعول مفتتحا بتاء المطاوعة ضم أوله وثانيه، وذلك كقولك في " تدحرج ": " تدحرج " وفي " تكسر "، " تكسر " وفي " تغافل ": " تغوفل ".
وإن كان مفتتحا بهمزة وصل ضم أوله وثالثه، ذلك كقولك في " استحلى ": " استحلي " وفي " اقتدر ": " اقتدر " وفي " انطلق ": " انطلق ".
* * * واكسر أو اشمم فاثلاثي أعل عينا، وضم جا ك " بوع " فاحتمل (1) إذا كان الفعل المبني للمفعول ثلاثيا معتل العين سمع في فائه ثلاثة أوجه: (1) إخلاص الكسر، نحو " قيل، وبيع " ومنه قوله: 154 - حيكت على نيرين إذ تحاك تختبط الشوك ولا تشاك.
__________
= " الوصل " مضاف إليه " كالاول " جار ومجرور في موضع المفعول الثاني لاجعل مقدما عليه " اجعلنه " اجعل: فعل أمر، والنون للتوكيد، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول أول " كاستحلي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف على النحو الذي سبق مرارا.
(1) " واكسر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أو اشمم " مثله، والجملة معطوفة على الجملة السابقة " فا " مفعول به تنازعه العاملان، وفا مضاف، و " ثلاثي " مضاف إليه " أعل " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ثلاثي، والجملة في محل جر نعت لثلاثي " عينا " تمييز " وضم " مبتدأ " جا " أصله جاء، وقصره للضرورة: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ضم، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " كبوع " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال " فاحتمل " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ضم ".
154 - البيت لراجز لم يعينوه.
اللغة: " حيكت " نسجت، وتقول: حاك الثوب يحوكه حوكا وحياكة " نيرين " = (*)
(1/502)

(2) وإخلاص الضم، نحو " قول، وبوع " ومنه قوله: 155 - ليت، وهل ينفع شيئا ليت ؟ ليت شبابا بوع فاشتريت وهي لغة بني دبير وبني فقعس [ وهما من فصحاء بني أسد ]..
__________
= تثنية نير بكسر النون بعدها ياء مثناة وهو علم الثوب أو لحمته، فإذا نسج الثوب على نيرين فذلك أصفق له وأبقى، وإذا أرادوا أن يصفوا ثوبا بالمتانة والاحكام قالوا: هذا ثوب ذو نيرين، وقد قالوا من ذلك أيضا: هذا رجل ذو نيرين، وهذا رأى ذو نيرين، وهذه حرب ذات نيرين، يريدون أنها شديدة، وقالوا: هذا ثوب منير على زنة معظم إذا كان منسوجا على نيرين، وقد روى في موضع هذه العبارة " حوكت على نولين " ونولين: مثنى نول بفتح النون وسكون الواو وهو اسم للخشبة التي يلف عليها الحاثك الشقة حين يريد نسجها " تختبط الشوك " تضربه بعنف " ولا تشاك " لا يدخل فيها الشوك ولا يضرها.
المعنى: وصف ملفحة أو حلة بأنها محكمة النسج، تامة الصفاقة، وأنها إذا اصطدمت بالشواك لم يؤذها ولم يعلق بها.
الاعراب: " حيكت " حيك: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " على نيرين " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في حيكت " إذ " ظرف للزمان الماضي مبني على السكون في محل نصب يتعلق بحيك، وجملة " تحاك " ونائب الفاعل المستتر فيه في محل جر بإضافة " إذ " إليها " تختبط " فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي
" الشوك " مفعول به لتختبط " ولا " نافية " تشاك " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي.
الشاهد فيه: قوله " حيكت " حيث إنه فعل ثلاثي معتل العين، فلما بناه للمجهول أخلص كسر فائه، ويروى " حوكت على نيرين " بالواو ساكنة، وعلى هذا يكون شاهدا للوجه الثاني، وهو إخلاص ضم الفاء.
155 - ينسب هذا البيت لرؤبة بن العجاج، وقد راجعت ديوان أراجيزه فوجدت في زياداته أبياتا منها هذا البيت، وهي قوله: =
(1/503)

.
__________
= يا قوم قد حوقلت أو دنوت وبعض حيقال الرجال الموت مالي إذا أجذبها صأيت أكبر قد عالني أو بيت ليت، وهل ينفع شيئا ليت ؟ ليت شبابا...وقد روى أبو علي القالي في أماليه (1 - 20 طبع الدار) البيتين السابقين على بيت الشاهد، ولم ينسبهما، وقال أبو عبيد البكري في التنبيه (97): " هذا راجز يصف جذبه للدلو " اه، ولم يعينه أيضا.
اللغة: " حوقلت " ضعفت وأصابني الكبر " دنوت " قربت " حيقال " هو مصدر حوقل " أجذبها " أراد أنزع الدلو من البئر " صأيت " صحت، مأخوذ من قولهم: صأي الفرخ، إذا صاح صياحا ضعيفا، وأراد بذلك أنينه من ثقل الدلو عليه " قد عالني " غلبني وقهرني وأعجزني، وفي رواية أبي علي القالي * أكبر غيرني.
* " أم بيت " يريد أم زوجة، وذلك لان العزب أقوى وأشد " ينفع شيئا ليت " قد قصد لفظ ليت هذه قصيرها اسما وأعربها وجعلها فاعلا، ومثل هذا في " ليت " - قول الشاعر: ليت شعري، وأين مني ليت ؟ إن ليتا وإن لوا عناء ومثله قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
ليت شعري، وهل يردن ليت ؟ هل لهذا عند الرباب جزاء ؟ وقول الآخر: ليت شعري مسافر بن أبي عمرو، وليت يقولها المحزون ونظيره في " لو " إذ قصد لفظها وجعلت اسما قول الآخر: ألام على لو، ولو كنت عالما بأذناب لو لم تفتني أوائله الاعراب: " ليت " حرف تمن ونصب " وهل " حرف استفهام المقصود منه النفي " ينفع " فعل مضارع " شيئا " مفعول به لينفع " ليت " قصد لفظه: فاعل ينفع، والجملة لا محل لها معترضة " ليت " حرف تمن مؤكد للاول " شبابا " اسم ليت الاول " بوع " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره =
(1/504)

(3) والاشمام وهو الاتيان بالفاء بحركة بين الضم والكسر ولا يظهر ذلك إلا في اللفظ، ولا يظهر في الخط، وقد قرئ في السبعة قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء) بالاشمام في " قيل، وغيض ".
* * * وإن بشكل خيف لبس يجتنب وما لباع قد يرى لنحو حب (1) إذا أسند الفعل الثلاثي المعتل العين بعد بنائه للمفعول إلى ضمير متكلم أو مخاطب أو غائب: فإما أن يكون واويا، أو يائيا.
فإن كان واويا نحو " سام " من السوم وجب عند المصنف كسر الفاء أو الاشمام، فتقول: " سمت "، [ ولا يجوز الضم،.
__________
= هو يعود على شباب، والجملة في محل رفع خبر ليت الاول " فاشتريت " فعل وفاعل، وجملتهما معطوفة بالفاء على جملة بوع.
الشاهد فيه: قوله " بوع " فإنه فعل ثلاثي معتل العين، فلما بناه للمجهول أخلص ضم فائه، وإخلاص ضم الفاء لغة جماعة من العرب منهم من حكى الشارح، ومنهم بعض بني تميم، ومنهم ضبة، وحكيت عن هذيل.
(1) " وإن " شرطية " بشكل " جار ومجرور متعلق بخيف " خيف " فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط " لبس " نائب فاعل خيف " يجتنب " فعل مضارع مبني للمجهول جواب الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى شكل " وما " اسم موصول: مبتدأ " لباع " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما الموصولة " قد " حرف تقليل " يرى " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " لنحو " جار ومجرور متعلق بيرى، ونحو مضاف، و " حب " قصد لفظه: مضاف إليه.
(*)
(1/505)

فلا تقول: " سمت " ]، لئلا يلتبس بفعل الفاعل، فإنه بالضم ليس إلا، نحو " سمت العبد " وإن كان يائيا - نحو " باع " من البيع - وجب - عند المصنف أيضا - ضمه أو الاشمام، فتقول: " بعت يا عبد " ولا يجوز الكسر، فلا تقول: " بعت "، لئلا يلتبس بفعل الفاعل، فإنه بالكسر فقط، نحو " بعت الثوب ".
وهذا معنى قوله: " وإن بشكل خيف لبس يجتنب " أي: وإن خيف اللبس في شكل من الاشكال السابقة - أعني الضم، والكسر، والاشمام عدل عنه إلى شكل غيره لا لبس معه.
هذا ما ذكره المصنف، والذي ذكره غيره أن الكسر في الواوي، والضم
في اليائي، والاشمام، هو المختار، ولكن لا يجب ذلك، بل يجوز الضم في الواوي، والكسر في اليائي.
وقوله: " وما لباع قد يرى لنحو حب " معناه أن الذي ثبت لفاء " باع " - من جواز الضم، والكسر، والاشمام - يثبت لفاء المضاعف، نحو " حب "، فتقول: " حب "، و " حب " وإن شئت أشممت.
* * * وما لفا باع لما العين تلي في اختار وانقاد وشبه ينجلي (1).
__________
(1) " وما " اسم موصول مبتدأ " لفا " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما الموصولة، وفا مضاف و " باع " قصد لفظه: مضاف إليه " لما " اللام جارة، وما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ " العين " مبتدأ، وجملة " تلي " وفاعله المستتر فيه في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة " ما " المجرورة باللام " في اختار " جار ومجرور متعلق بتلي " وانقاد، وشبه " معطوفان على اختار " ينجلي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى شبه، والجملة في محل جر نعت لشبه.
(*)
(1/506)

أي: يثبت عند البناء للمفعول لما تليه العين من كل فعل يكون على وزن " افتعل " أو " انفعل " وهو معتل العين ما يثبت لفاء " باع ": من جواز الكسر، والضم، وذلك نحو " اختار، وانقاد " وشبههما، فيجوز في التاء والقاف ثلاثة أوجه: الضم، نحو " اختور "، و " انقود " والكسر، نحو " اختير "، و " انقيد " والاشمام، وتحرك الهمزة بمثل حركة التاء والقاف.
* * *
وقابل من ظرف أو من مصدر أو حرف جر بنيابة حري (1) تقدم أن الفعل إذا بني لما لم يسم فاعله أقيم المفعول به مقام الفاعل، وأشار في هذا البيت إلى أنه إذا لم يوجد المفعول به أقيم الظرف أو المصدر أو الجار والمجرور مقامه، وشرط في كل [ واحد ] منها أن يكون قابلا للنيابة، أي: صالحا لها، واحترز بذلك مما لا يصلح للنيابة، كالظرف الذي لا يتصرف، والمراد به: ما لزم النصب على الظرفية (2)، نحو " سحر " إذا أريد به سحر.
__________
(1) " وقابل " مبتدأ، وخبره قوله " حري " في آخر البيت " من ظرف " جار ومجرور متعلق بقابل " أو من مصدر " معطوف على الجار والمجرور السابق " أو حرف جر " معطوف على مصدر ومضاف إليه " بنيابة " جار ومجرور متعلق بجر " جر " خبر المبتدأ الذي هو قابل في أول البيت كما ذكرنا من قبل.
(2) الظروف على ثلاثة أنواع: النوع الاول: ما يلزم النصب على الظرفية، ولا يفارقها أصلا، ولا إلى الجر بمن، وذلك مثل قط، وعوض، وإذا، وسحر.
والنوع الثاني: ما يلزم أحد أمرين: النصب على الظرفية، والجر بمن، وذلك مثل عند، وثم، بفتح الثاء.
= (*)
(1/507)

يوم بعينه، ونحو " عندك " فلا تقول: " جلس عندك " ولا " ركب سحر "، لئلا تخرجهما عما استقر لهما في لسان العرب من لزوم النصب، وكالمصادر التي لا تتصرف، نحو " معاذ الله " فلا يجوز رفع " معاذ الله "، لما تقدم في الظرف، وكذلك ما لا فائدة فيه: من الظرف، والمصدر، [ والجار ] والمجرور، فلا تقول: " سير وقت "، ولا " ضرب ضرب "، ولا " جلس في دار " لانه لا فائدة في ذلك.
ومثال القابل من كل منها قولك: " سير يوم الجمعة، وضرب ضرب شديد، ومر بزيد " (1).
* * *.
__________
= وهذان النوعان يقال لكل منهما: " ظرف غير متصرف "، والفرق بينهما ما علمت.
والنوع الثالث: ما يخرج عن النصب على الظرفية وعن الجر بمن، إلى التأثر بالعوامل المختلفة: كزمن، ووقت، وساعة، ويوم، ودهر، وحين، وهذا هو الظرف المتصرف.
(1) حاصل الذي أومأ إليه الشارح في هذه المسألة أنه يشترط في صحة جواز إنابة كل واحد من الظرف والمصدر شرطان، أحدهما: أن يكون كل منهما متصرفا، وثانيهما: أن يكون كل واحد منهما مختصا، فإن فقد أحدهما واحدا من هذين الشرطين لم تصح نيابته.
فالمتصرف من الظروف هو: ما يخرج عن النصب على الظرفية والجر بمن إلى التأثر بالعوامل، كما علمت مما أوضحناه لك قريبا.
وأما المتصرف من المصادر فهو: ما يخرج عن النصب على المصدرية إلى التأثر بالعوامل المختلفة، وذلك كضرب وقتل، وما لا يخرج من المصدر عن النصب على المصدرية كمعاذ الله فإنه مصدر غير متصرف لا يقع إلا منصوبا على المفعولية المطلقة.
وأما المختص من الظروف فهو: ما خص بإضافة، أو وصف، أو نحوهما.
= (*)
(1/508)

ولا ينوب بعض هذي، إن وجد في اللفظ مفعول به وقد يرد (1) مذهب البصريين إلا الاخفش أنه إذا وجد بعد الفعل المبني لما لم يسم فاعله: مفعول به، ومصدر، وظرف، وجار ومجرور تعين إقامة
المفعول به مقام الفاعل، فتقول: ضرب زيد ضربا شديدا يوم الجمعة أمام الامير في داره، ولا يجوز إقامة غيره [ مقامه ] مع وجوده، وما ورد من ذلك شاذ أو مؤول.
ومذهب الكوفيين أنه يجوز إقامة غيره وهو موجود: تقدم، أو تأخر، فتقول: " ضرب ضرب شديد زيدا، وضرب زيدا ضرب شديد " وكذلك في الباقي، واستدلوا لذلك بقراءة أبي جعفر (ليجزى قوما بما كانوا يكسبون) وقول الشاعر:.
__________
= وأما المختص من المصادر فهو: ما كان دالا على العدد، أو على النوع، أما نحو " ضرب ضرب " فهو غير مختص، ولا يجوز نيابته عن الفاعل.
ويشترط في نيابة الجار والمجرور ثلاثة شروط، أولها: أن يكون مختصا بأن يكون المجرور معرفة أو نحوها وثانيها: ألا يكون حرف الجر ملازما لطريقة واحدة، كمذ ومنذ الملازمين لجر الزمان، وكحروف القسم الملازمة لجر المقسم به، وثالثها: ألا يكون حرف الجر دالا على التعليل كاللام، والباء، ومن، إذا استعملت إحداها في الدلالة على التعليل، ولهذا امتنعت نيابة المفعول لاجله.
(1) " ولا " نافية " ينوب " فعل مضارع " بعض " فاعل ينوب، وبعض مضاف، واسم الاشارة في " هذي " مضاف إليه " إن " شرطية " وجد " فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط " في اللفظ " جار ومجرور متعلق بوجد " مفعول " نائب فاعل لوجد " به " متعلق بمفعول، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام، والتقدير: إن وجد في اللفظ مفعول به فلا ينوب بعض هذه الاشياء " وقد " حرف تقليل " يرد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نيابة بعض هذه الاشياء مناب الفاعل مع وجود المفعول به في اللفظ المستفاد من قوله " ولا ينوب إلخ ".
(*)
(1/509)

156 - لم يعن بالعلياء إلا سيدا ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى.
__________
156 - نسبوا هذا البيت لرؤبة بن العجاج، وقد راجعت ديوان أراجيزه فوجدت هذا البيت في زيادات الديوان، لا في أصله، وقبله قوله: وقد كفى من بدئه ما قد بدا وإن ثنى في العود كان أحمدا اللغة: " بدئه " مبتدأ أمره وأول شأنه " بدا " ظهر " ثنى " عاد، تقول: ثنى يثني بوزن رمى يرمي وأصل معناه جمع طرفي الحبل فصير ما كان واحدا اثنين " كان أحمدا " مأخوذ من قولهم: عود أحمد، يريدون أنه محمود " يعن " فعل مضارع ماضيه عنى، وهو من الافعال الملازمة للبناء للمفعول، ومعناه على هذا أولع أو اهتم، تقول: عنى فلان بحاجتي وهو معني بها، إذا كان قد أولع بقضائها واهتم لها " العلياء " هي خصال المجد التي تورث صاحبها سموا ورفعة قدر " شفى " أبرأ، وأراد به ههنا هدى، مجازا " الغي " الجري مع هوى النفس والتمادي في الاخذ بما يوبقها ويهلكها " هدى " بضم الهاء وهو الرشاد وإصابة الجادة.
المعنى: لم يشتغل بمعالي الامور، ولم يولع بخصال المجد، إلا أصحاب السيادة والطموح، ولم يشف ذوي النفوس المريضة والاهواء المتأصلة من دائهم الذي أصيبت به نفوسهم إلا ذوو الهداية والرشد.
الاعراب: " لم " حرف نفي وجزم وقلب " يعن " فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الالف، والفتحة قبلها دليل عليها " بالعلياء " جار ومجرور نائب عن الفاعل " إلا " أداة استثناء ملغاة " سيدا " مفعول به ليعن " ولا " الواو عاطفة، ولا نافية " شفى " فعل ماض " ذا " مفعول لشفى مقدم على الفاعل، وذا مضاف، و " الغي " مضاف إليه " إلا " أداة استثناء ملغاة " ذو " فاعل شفى، وذو مضاف، و " هدى " مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " لم يعن بالعلياء إلا سيدا " حيث ناب الجار والمجرور وهو قوله " بالعلياء " عن الفاعل، مع وجود المفعول به في الكلام وهو قوله " سيدا ".
والدليل على أن الشاعر أناب الجار والمجرور، ولم ينب المفعول به، أنه جاء بالمفعول به منصوبا، ولو أنه أنابه لرفعه، فكان يقول: لم يعن بالعلياء إلا سيد، = (*)
(1/510)

ومذهب الاخفش أنه إذا تقدم غير المفعول به عليه جاز إقامة كل [ واحد ] منهما، فتقول: ضرب في الدار زيد، وضرب في الدار زيدا، وإن لم يتقدم تعين إقامة المفعول به، نحو " ضرب زيد في الدار "، فلا يجوز " ضرب زيدا في الدار ".
* * * وباتفاق قد ينوب الثان من باب " كسا " فيما التباسه أمن (1).
__________
= والداعي لذلك أن القوافي كلها منصوبة، فاضطراره لتوافق القوافي هو الذي دعاه وألجأه إلى ذلك.
ومثل هذا البيت قول الراجز: وإنما يرضي المنيب ربه ما دام معنيا بذكر قلبه ومحل الاستشهاد في قوله " معنيا بذكر قلبه " حيث أناب الجار والمجرور - وهو قوله " بذكر " - عن الفاعل، مع وجود المفعول به في الكلام وهو قوله " قلبه " - بدليل أنه أتى بالمفعول به منصوبا بعد ذلك كما هو ظاهر.
والبيتان حجة للكوفيين والاخفش جميعا، لان النائب عن الفاعل في البيتين متقدم في كل واحد منهما عن المفعول به، والبصريون يرون ذلك من الضرورة الشعرية.
(1) " وباتفاق " الواو للاستئناف، باتفاق: جار ومجرور متعلق بينوب الآتي
" قد " حرف تقليل " ينوب " فعل مضارع " الثان " فاعل ينوب " من باب " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الثاني، وباب مضاف، و " كسا " قصد لفظه: مضاف إليه " فيما " جار ومجرور متعلق بينوب " التباسه " التباس: مبتدأ، والتباس مضاف والهاء مضاف إليه " أمن " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى التباس، والجملة من أمن ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها من الاعراب صلة " ما " المجرورة محلا بفي.
(*)
(1/511)

إذا بني الفعل المتعدي إلى مفعولين لما لم يسم فاعله: فإما أن يكون من باب " أعطى "، أو من باب " ظن (1) "، فإن كان من باب " أعطى " - وهو المراد بهذا البيت - فذكر المصنف أنه يجوز إقامة الاول منهما وكذلك الثاني، بالاتفاق، فتقول: " كسي زيد جبة، وأعطي عمرو درهما "، وإن شئت أقمت الثاني، فنقول: " أعطي عمرا درهم، وكسي زيدا جبة ".
هذا إن لم يحصل لبس بإقامة الثاني، فإذا حصل لبس وجب إقامة الاول، [ وذلك نحو " أعطيت زيدا عمرا " فتتعين إقامة الاول ] فتقول: " أعطي زيد عمرا " ولا يجوز إقامة الثاني حينئذ: لئلا يحصل لبس، لان كل واحد منهما يصلح أن يكون آخذا، بخلاف الاول.
ونقل المصنف الاتفاق على أن الثاني من هذا الباب يجوز إقامته عند أمن.
__________
(1) قد ينصب فعل من الافعال مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر، نحو ظننت زيدا قائما وعلمت أخاك مسافرا، ولا ينصب المفعولين اللذين أصلهما المبتدأ والخبر إلا ظن وأخواتها، وهذا هو مراد الشارح هنا بقوله " باب ظن "، ومراد الناظم بقوله " في باب ظن وأرى " لان " أرى " تنصب ثلاثة مفاعيل: أصل الثاني والثالث
منها مبتدأ وخبر، على ما علمت.
وقد ينصب فعل من الافعال مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، وهذا النوع على ضربين، لان نصبه لاحد هذين المفعولين إما أن يكون على نزع الخافض، كما في قولك: اخترت الرجال محمدا، وكما في قوله تعالى: (واختار موسى قومه سبعين رجلا) الاصل اخترت من الرجال محمدا، واختار موسى من قومه سبعين رجلا، وإما أن يكون نصبه للمفعولين لانه من طبيعته متعد إلى اثنين، وذلك نحو قولك: منحت الفقير درهما، وأعطيت إبراهيم دينارا، وكسوت محمدا جبة.
وهذا الضرب الاخير هو مراد الناظم والشارح بباب كسا، فهو: كل فعل تعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، وكان تعديه إليهما بنفسه، لا بواسطة حذف حرف الجر من أحدهما وإيصال الفعل إلى المجرور.
(*)
(1/512)

اللبس، فإن عنى به أنه اتفاق من جهة النحويين كلهم فليس بجيد، لان مذهب الكوفيين أنه إذا كان الاول معرفة والثاني نكرة تعين إقامة الاول، فتقول: " أعطي زيد درهما "، ولا يجوز عندهم إقامة الثاني، فلا تقول: " أعطي درهم زيدا ".
* * * في باب " ظن، وأرى " المنع اشتهر ولا أرى منعا إذا القصد ظهر (1) يعني أنه إذا كان الفعل متعديا إلى مفعولين الثاني منهما خبر في الاصل، كظن وأخواتها، أو كان متعديا إلى ثلاثة مفاعيل كأرى وأخواتها - فالاشهر عند النحويين أنه يجب إقامة الاول، ويمتنع إقامة الثاني في باب " ظن " والثاني والثالث في باب " أعلم "، فتقول: " ظن زيد قائما " ولا يجوز " ظن زيدا
قائم " وتقول: " أعلم زيد فرسك مسرجا " ولا يجوز إقامة الثاني، فلا تقول: " أعلم زيدا فرسك مسرجا " ولا إقامة الثالث، فتقول: " أعلم زيدا.
__________
(1) " في باب " جار ومجرور متعلق باشتهر الآتي، وباب مضاف، و " ظن " قصد لفظه: مضاف إليه " وأرى " معطوف على ظن " المنع " مبتدأ، وجملة " اشتهر " وفاعله المستتر فيه في محل رفع خبر المبتدأ " ولا " نافية " أرى " فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " منعا " مفعول به لارى " إذا " ظرف للمستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط " القصد " فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إذا ظهر القصد، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله المذكور في مجل جر بإضافة إذا إليها " ظهر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى القصد، والجملة من ظهر المذكور وفاعله لا محل لها من الاعراب تفسيرية.
(*)
(1/513)

فرسك مسرج " ونقل ابن أبي الربيع الاتفاق على منع إقامة الثالث، ونقل الاتفاق - أيضا - ابن المصنف.
وذهب قوم - منهم المصنف - إلى أنه لا يتعين إقامة الاول، لا في باب " ظن " ولا باب " أعلم " لكن يشترط ألا يحصل لبس، فتقول: " ظن زيدا قائم، وأعلم زيدا فرسك مسرجا ".
وأما إقامة الثالث من باب " أعلم " فنقل ابن أبي الربيع وابن المصنف الاتفاق على منعه، وليس كما زعما، فقد نقل غيرهما الخلاف في ذلك (1)، فتقول: " أعلم زيدا فرسك مسرج ".
فلو حصل لبس تعين إقامة الاول في باب " ظن، وأعلم " فلا تقول: " ظن زيدا عمرو " على أن " عمرو " هو المفعول الثاني، ولا " أعلم زيدا خالد منطلقا ".
* * * وما سوى النائب مما علقا بالرافع النصب له محققا (2).
__________
(1) حاصل الخلاف الذي نقله غيرهما أن بعض النحاة أجازه بشرط ألا يوقع في لبس كما مثل الشارح، وحكاية الخلاف هو ظاهر كلام الناظم في كتابه التسهيل، بل يمكن أن يكون مما يشير إليه كلامه في الالفية لان ثالث مفاعيل أعلم هو ثاني مفعولي علم، وقد ذكر اختلاف النحاة في ثاني مفعولي علم.
(2) " وما " اسم موصول: مبتدأ أول " سوى النائب، مما " متعلقان بمحذوف صلة " ما " الواقع مبتدأ " علقا " علق: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود لما، والجملة لا محل لها صلة ما المجرورة محلا بمن " بالرافع " متعلق بقوله علق " النصب " مبتدأ ثان " له " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول، وهو " ما " في أول البيت " محققا " حال من الضمير المستكن في الخبر.
(*)
(1/514)

حكم المفعول القائم مقام الفاعل حكم الفاعل، فكما أنه لا يرفع الفعل إلا فاعلا واحدا، كذلك لا يرفع الفعل إلا مفعولا واحدا (1)، فلو كان للفعل معمولان فأكثر أقمت واحدا منها مقام الفاعل، ونصبت الباقي، فتقول: " أعطي زيد درهما، وأعلم زيد عمرا قائما، وضرب زيد ضربا شديدا يوم الجمعة أمام الامير في داره ".
* * *.
__________
(1) يريد لا يرفع على أنه نائب فاعل إلا واحد من المفاعيل التي كان الفعل ناصبا لها وهو مبني للمعلوم.
(*)
(1/515)

اشتغال العامل عن المعمول (1).
__________
(1) أركان الاشتغال ثلاثة: مشغول عنه، وهو الاسم المتقدم، ومشغول، وهو الفعل المتأخر، ومشغول به، وهو الضمير الذي تعدى إليه الفعل بنفسه أو بالواسطة، ولكل واحد من هذه الاركان الثلاثة شروط لابد من بيانها.
فأما شروط المشغول عنه - وهو الاسم المتقدم في الكلام - فخمسة: الاول: ألا يكون متعددا لفظا ومعنى: بأن يكون واحدا، نحو زيدا ضربته، أو متعددا في اللفظ دون المعنى، نحو زيدا وعمرا ضربتهما، لان العطف جعل الاسمين كالاسم الواحد، فإن تعدد في اللفظ والمعنى - نحو زيدا درهما أعطيته - لم يصح.
الثاني: أن يكون متقدما، فإن تأخر - نحو ضربته - ؟ لم يكن من باب الاشتغال، بل إن نصبت زيدا فهو بدل من الضمير، وإن رفعته فهو مبتدأ خبره الجملة قبله.
الثالث: قبوله الاضمار، فلا يصح الاشتغال عن الحال، والتمييز، ولا عن المجرور بحرف يختص بالظاهر كحتى.
الرابع: كونه مفتقرا لما بعده، فنحو " جاءك زيد فأكرمه " ليس من باب الاشتغال لكون الاسم مكتفيا بالعامل المتقدم عليه.
الخامس: كونه صالحا للابتداء به، بألا يكون نكرة محضة، فنحو قوله تعالى: (ورهبانية ابتدعوها) ليس من باب الاشتغال، بل (رهبانية) معطوف على ما قبله بالواو، وجملة (ابتدعوها) صفة.
وأما الشروط التي يجب تحققها في المشغول - وهو الفعل الواقع بعد الاسم - فاثنان: الاول: أن يكون متصلا بالمشغول عنه، فإن انفصل منه بفاصل لا يكون لما بعده عمل فيما قبله - كأدوات الشرط، وأدوات الاستفهام، ونحوهما - لم يكن من باب الاشتغال، وسيأتي توضيح هذا الشرط في الشرح.
الثاني: كونه صالحا للعمل فيما قبله: بأن يكون فعلا متصرفا، أو اسم فاعل،
أو اسم مفعول، فإن كان حرفا، أو اسم فعل، أو صفة مشبهة، أو فعلا جامدا كفعل التعجب - وكل هذه العوامل لضعفها لا تعمل فيما تقدم عليها - لم يصح.
وأما الذي يجب تحققه في المشغول به - وهو الضمير - فشرط واحد، وهو: ألا يكون أجنبيا من المشغول عنه، فيصح أن يكون ضمير المشغول عنه، نحو زيدا ضربته، أو مررت به، = (*)
(1/516)

إن مضمر اسم سابق فعلا شغل عنه: بنصب لفظه، أو المحل (1) فالسابق انصبه بفعل أضمرا حتما، موافق لما قد أظهرا (2) الاشتغال: أن يتقدم اسم، ويتأخر عنه فعل، [ قد ] عمل في ضمير ذلك الاسم أو في سببيه - وهو المضاف إلى ضمير الاسم السابق - فمثال المشتغل بالضمير " زيدا ضربته، وزيدا مررت به " ومثال المشتغل بالسببي " زيدا ضربت غلامه " وهذا هو المراد بقوله: " إن مضمر اسم إلى آخره " والتقدير: إن شغل مضمر اسم سابق فعلا عن ذلك الاسم بنصب المضمر لفظا نحو " زيدا ضربته " أو بنصبه محلا، نحو " زيدا مررت به " فكل واحد من " ضربت، ومررت " اشتغل بضمير " زيد " لكن " ضربت " وصل إلى.
__________
= ويصح أن يكون اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير المشغول عنه، نحو زيدا ضربت أخاه، أو مررت بغلامه.
(1) " إن " شرطية " مضمر " فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إن شغل مضمر، ومضمر مضاف، و " اسم " مضاف إليه " سابق " نعت لاسم " فعلا " مفعول به لشغل مقدم عليه " شغل " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضمر " عنه، بنصب " متعلقان بشغل، ونصب مضاف، ولفظ من " لفظه " مضاف إليه، من إضافة المصدر لمفعوله، ولفظ مضاف، والهاء مضاف إليه " أو " حرف عطف " المحل " معطوف على لفظ.
(2) " فالسابق " مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: فانصب السابق " انصبه " انصب: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به " بفعل " جار ومجرور متعلق بانصب، وجملة " أضمر " ونائب الفاعل المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل، في محل جر نعت لفعل " حتما " مفعول مطلق لفعل محذوف، والتقدير: حتم ذلك ذلك حتما " موافق " نعت ثان لفعل " لما " جار ومجرور متعلق بموافق " قد " حرف تحقيق، وجملة " أظهرا " ونائب الفاعل المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، لا محل لها من الاعراب صلة " ما " المجرورة محلا باللام.
(*)
(1/517)

الضمير بنفسه، و " مررت " وصل إليه بحرف جر، فهو مجرور لفظا ومنصوب محلا، وكل من " ضربت، ومررت " لو لم يشتغل بالضمير لتسلط على " زيد " كما تسلط على الضمير، فكنت تقول: " زيدا ضربت " فتنصب " زيدا " ويصل إليه الفعل بنفسه كما وصل إلى ضميره، وتقول: " بزيد مررت " فيصل الفعل إلى زيد بالباء كما وصل إلى ضميره، ويكون منصوبا محلا كما كان الضمير.
وقوله " فالسابق انصبه - إلى آخره " معناه أنه إذا وجد الاسم والفعل على الهيئة المذكورة، فيجوز لك نصب الاسم السابق، واختلف النحويون في ناصبه: فذهب الجمهور إلى أن ناصبه فعل مضمر وجوبا، [ لانه لا يجمع بين المفسر والمفسر ] ويكون الفعل المضمر موافقا في المعنى لذلك المظهر، وهذا يشمل ما وافق لفظا ومعنى نحو قولك في " زيدا ضربته ": إن التقدير " ضربت زيدا ضربته " وما وافق معنى دون لفظ كقولك في " زيدا مررت به ": إن التقدير
" جاوزت زيدا مررت به " (1) وهذا هو الذي ذكره المصنف.
__________
* (1) اعلم أن الفعل المشغول قد يكون متعديا ناصبا للمشغول به بلا واسطة، وقد يكون لازما ناصبا للمشغول به معنى وهو مجرور بحرف جر، وعلى كل حال إما أن يكون المشغول به ضمير الاسم المتقدم، وإما أن يكون سببيه، فهذه أربعة أحوال: فيكون تقدير العامل في الاسم المتقدم المشغول عنه من لفظ العامل المشغول ومعناه في صورة واحدة، وهي أن يجتمع في العامل المشغول شيئان هما: كونه متعديا بنفسه، وكونه ناصبا لضمير الاسم المتقدم - نحو قولك: زيدا ضربته.
ويكون تقدير العامل في الاسم المتقدم المشغول عنه من معنى العامل المشغول دون لفظه، في ثلاث صور: = (*)
(1/518)

والمذهب الثاني: أنه منصوب بالفعل المذكور بعده، وهذا مذهب كوفي، واختلف هؤلاء، فقال قوم: إنه عامل في الضمير وفي الاسم معا، فإذا قلت: " زيدا ضربته " كان " ضربت " ناصبا ل " زيد " وللهاء، ورد هذا المذهب بأنه لا يعمل عامل واحد في ضمير اسم ومظهره، وقال قوم: هو عامل في الظاهر، والضمير ملغى، ورد بأن الاسماء لا تلغى بعد اتصالها بالعوامل.
* * * والنصب حتم، إن تلا السابق ما يختص بالفعل: كإن وحيثما (1).
__________
= الاولى: أن يكون العامل في المشغول به لازما، والمشغول به ضمير الاسم المتقدم، نحو قولك: أزيدا مررت به، فإن التقدير: أجاوزت زيدا مررت به.
الثانية: أن يكون العامل لازما، والمشغول به اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير الاسم السابق، نحو قولك: زيدا مررت بغلامه، فإن التقدير: لابست زيدا مررت بغلامه،
ولا تقدره: " جاوزت زيدا مررت بغلامه " كما قدرت في الصورة الاولى، لان المعنى على هذا التقدير هنا غير مستقيم، لانك لم تجاوز زيدا ولم تمرر به، وإنما جاوزت غلامه ومررت به، وجاوز من معنى مر، وليس من لفظه كما هو ظاهر.
الثالثة: أن يكون العامل متعديا، ولكنه نصب اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير عائد إلى الاسم السابق، نحو قولك: زيدا ضربت أخاه، فإن التقدير: أهنت زيدا ضربت أخاه.
وهكذا تقدر في كل صورة من هذه الصور الثلاث فعلا ينصب بنفسه، ويصح معه المعنى.
(1) " والنصب " مبتدأ " حتم " خبر المبتدأ " إن " شرطية " تلا " فعل ماض، فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف، وتقدير الكلام: إن تلا السابق ما يختص بالفعل فالنصب واجب " السابق " فاعل لتلا " ما " اسم موصول: مفعول به لتلا = (*)
(1/519)

ذكر النحويون أن مسائل هذا الباب على خمسة أقسام، أحدها: ما يجب فيه النصب، والثاني: ما يجب فيه الرفع، والثالث: ما يجوز فيه الامران والنصب أرجح، والرابع: ما يجوز فيه الامران والرفع أرجح، والخامس: ما يجوز فيه الامران على السواء.
فأشار المصنف إلى القسم الاول بقوله: " والنصب حتم - إلى آخره " ومعناه أنه يجب نصب الاسم السابق إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل، كأدوات الشرط (1) نحو إن، وحيثما، فتقول: " إن زيدا أكرمته أكرمك، وحيثما زيدا تلقه فأكرمه "، فيجب نصب " زيدا " في المثالين وفيما أشبههما، ولا يجوز الرفع على أنه مبتدأ، إذ لا يقع [ الاسم ] بعد هذه.
__________
= " يختص " فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما،
والجملة من يختص وفاعله لا محل لها صلة الموصول " بالفعل " جار ومجرور متعلق بيختص " كإن " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك كائن كإن - إلخ، " وحيثما " معطوف على " إن " المجرورة محلا بالكاف.
(1) الادوات التي تختص بالفعل أربعة أنواع: الاول: أدوات الشرط كإن، وحيثما، نحو ما مثل به الشارح، واعلم أن الاشتغال إنما يقع بعد أدوات الشرط في ضرورة الشعر، فأما في النثر فلا يقع الاشتغال إلا بعد أداتين منهما: الاولى " إن " بشرط أن يكون الفعل المشغول ماضيا، نحو: إن زيدا لقيته فأكرمه، والثانية: " إذا " مطلقا، نحو إذا زيدا لقيته - أو تلقاه - فأكرمه.
النوع الثاني: أدوات التحضيض، نحو هلا زيدا أكرمته.
النوع الثالث: أدوات العرض، نحو ألا زيدا أكرمته.
النوع الرابع: أدوات الاستفهام غير الهمزة، نحو هل زيدا أكرمته، فأما الهمزة فلا تختص بالفعل، بل يجوز أن تدخل على الاسماء كما تدخل على الافعال، وإن كان دخولها على الافعال أكثر.
(*)
(1/520)

الادوات، وأجاز بعضهم وقوع الاسم بعدها، فلا يمتنع عنده الرفع على الابتداء، كقول الشاعر: 157 - لا تجزعي إن منفس أهلكته فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
__________
157 - هذا البيت ساقط من أكثر النسخ، ولم نشرحه في الطبعة الاولى لهذه العلة، وهو من كلمة للنمر بن تولب يجيب فيها امرأته وقد لامته على التبذير، وكان من حديثه أن قوما نزلوا به في الجاهلية، فنحر لهم أربع قلائص، واشترى لهم زق
خمر، فلامته امرأته على ذلك، ففي هذا يقول: قالت لتعذلني من الليل: اسمع، سفه تبيتك الملامة فاهجعي لا تجزعي لغد، وأمر غد له، أتعجلين الشر ما لم تمنعي قامت تبكي أن سبات لفتية زقا وخابية بعود مقطع اللغة: " لا تجزعي " لا تحزني، والجزع هو: ضعف المرء عن تحمل ما ينزل به من بلاء، وهو أيضا أشد الحزن " منفس " هو المال الكثير، وهو الشئ النفيس الذي يضن أهله به " أهلكته " أذهبته وأفنيته " هلكت " مت.
الاعراب: " لا " ناهية " تجزعي " فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون، وياء المؤنثة المخاطبة فاعل " إن " شرطية " منفس " فاعل لفعل محذوف هو فعل الشرط، وقوله " أهلكته " جملة من فعل وفاعل ومفعول لا محل لها تفسيرية " فإذا " الفاء عاطفة، إذا: ظرفية تضمنت معنى الشرط " هلكت " فعل وفاعل، وجملتهما في محل جر بإضافة " إذا " إليها " فبعد " الفاء زائدة، وبعد: ظرف متعلق بقوله " اجزعي " في آخر البيت، وبعد مضاف واسم الاشارة من " ذلك " مضاف إليه، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب " فاجزعي " الفاء واقعة في جواب إذا، وما بعدها فعل أمر، وياء المخاطبة فاعل، والجملة جواب إذا لا محل لها من الاعراب.
الشاهد فيه: قوله " إن منفس " حيث وقع الاسم المرفوع بعد أداة الشرط التي هي " إن " والاكثر أن يلي هذه الاداة الفعل.
= (*)
(1/521)

تقديره: " إن هلك منفس " (1)، والله أعلم.
* * *.
__________
= وقبل: أن نقرر لك ما في هذا البيت نخبرك أنه يروى بنصب " منفس " يروى برفعه.
فأما رواية النصب فهي التي رواها سيبويه وجمهور البصريين (انظر كتاب سيبويه 1 - 68، ومفصل الزمخشري 1 - 149 بتحقيقنا) ولا إشكال على هذه الرواية، لان " منفسا " حينئذ منصوب بفعل محذوف مفسر بفعل من لفظ الفعل المذكور بعده، والتقدير: إن أهلكت منفسا أهلكته.
والرواية الثانية برفع " منفس " وهي رواية الكوفيين، وأعربوها على أن " منفس " مبتدأ، وجملة " أهلكته " خبره، وهذا هو صريح عبارة الشارح قبل إنشاده البيت، واستدلوا به وبمثله على جواز وقوع الجملة الاسمية بعد " إن " و " إذا " الشرطيتين، وقالوا: إن الاسم المرفوع بعد هاتين الاداتين مبتدأ، والجملة بعده في محل رفع خبر، ومنهم من يجعل هذا الاسم المرفوع فاعلا لنفس الفعل المذكور بعده في نحو " إن زيد يزورك فأكرمه " بناء على مذهبهم من جواز تقديم الفاعل على الفعل الرافع له، فأما البصريون فلا يسلمون أولا رواية الرفع، ثم يقولون: إن صحت هذه الرواية فإنها لا تدل على جواز وقوع الجمل الاسمية بعد أداة الشرط، ولا تدل على جواز تقدم الفاعل على فعله، لان واحدا من هذين الوجهين غير متعين في إعراب الاسم المرفوع بعد أداة الشرط، بل هذا الاسم فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعده، ويقدر المحذوف من لفظ المذكور إن كان الذي بعده قد رفع الضمير على الفاعلية، ومن معنى الفعل المتأخر إن كان قد نصب ضمير الاسم كما في هذا البيت المستشهد به، ومن الاول قوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك) وهذا هو الراجح، وهو الذي قدره الشارح بعد إنشاد البيت، ثم ارجع إلى ما ذكرناه في تقدير العامل في المشغول عنه (في ص 518)، ثم انظر ما ذكرناه في باب الفاعل (1) هذا التقدير هو تقدير البصريين، ولا يتفق ذكره هنا بهذا الشكل مع ما ذكره الشارح قبل إنشاد البيت، ولو أنه قال: " وتقديره عند البصريين إن هلك منفس " لاستقام الكلام.
(*)
(1/522)

وإن تلا السابق ما بالابتدا يختص فالرفع التزمه أبدا (1) كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد ما قبل معمولا لما بعد وجد (2) أشار بهذين البيتين إلى القسم الثاني، وهو ما يجب فيه الرفع (3)، فيجب رفع.
__________
(1) " وإن " شرطية " تلا " فعل ماض، فعل الشرط " السابق " فاعل تلا " ما " اسم موصول: مفعول به لتلا " بالابتدا " جار ومجرور متعلق بيختص الآتي " يختص " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة لا محل لها صلة " فالرفع " الفاء لربط الجواب بالشرط، الرفع: مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: فالتزم الرفع التزمه، والجملة في محل جزم جواب الشرط " التزمه " التزم: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به " أبدا " منصوب على الظرفية، والجملة من فعل الامر وفاعله المستتر فيه لا محل لها مفسرة.
(2) " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف يقع نعتا لمصدر محذوف منصوب على المفعولية المطلقة بفعل مدلول عليه بالسابق، والتقدير: والتزم الرفع التزاما مشابها لذلك الالتزام إذا تلا الفعل إلخ " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " الفعل " فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إذا تلا الفعل " تلا " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل، والجملة لا محل لها من الاعراب تفسيرية " ما " اسم موصول مفعول به لتلا " لم يرد " مضارع مجزوم بلم " ما " اسم موصول فاعل يرد، والجملة لا محل لها صلة ما الواقع مفعولا به لتلا " قبل " ظرف متعلق بمحذوف صلة " ما " الواقع فاعلا " معمولا " حال من فاعل يرد " لما " جار ومجرور متعلق بمعمول " بعد " ظرف متعلق بوجد " وجد " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة المجرورة محلا باللام، والجملة
لا محل لها صلة " ما " المجرورة محلا باللام.
(3) للمؤلفين اختلاف في اعتبار هذا القسم برمته من باب الاشتغال، فابن الحاجب لم يذكره أصلا، وابن هشام ينص على أنه ليس من باب الاشتغال، ولا يصدق ضابطه عليه، وذلك لاننا اشترطنا في ضابط الاشتغال: أن العامل في المشغول به لو تفرغ من الضمير وسلط على الاسم السابق المشغول عنه لعمل فيه (انظر كلام الشارح في ص 518) = (*)
(1/523)